تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قلت: هذا هو شرط البخاريِّ في " صحيحه "، وقد نقل الخطيب الإجماع على قبول الخبر الذي جمع تلك الشروط، فلا أدري ما الذي دفع الحويني وشاكراً إلى القول بأنَّ البخاريَّ لم يتابع على شرطه، ثم إنَّ قولهم هذا مصدوم من جهة أخرى فهذه كتب الحديث مليئة بأنَّ فلاناً لقي فلاناً ولم يسمع منه، أو أنَّ فلاناً رأى فلاناً ولم يسمع منه، هكذا اعترض الشيخ أبو إسحاق والشيخ أحمد شاكر على الإمام البخاري مستدلين بكلام ابن التركماني، والمباركفوري، فيا ترى لو صحح البخاري حديثاً ما، وخالفه ابن التركماني وغيره فبقول مَنْ نأخذ؟ لا شك أنَّ قول البخاري له قصب السبق في القبول دون التفات إلى من خالفه. وهذا الكلام حتى لو لم يتبين لنا معتمد البخاري في تصحيحه للحديث؛ لأنَّه أعرف بما يقول وما يحكم به، فإذا تبعنا البخاري في تصحيحه للحديث فكذلك نتبعه في تضعيفه؛ لأن النقاد عندهم ملكة بمعرفة صحيح الأسانيد من سقيمها، وهم فرسان هذا الفن وإليهم المنتهى في كل نوائبه. وإذا كان لاعتراض ابن التركماني وجاهة عند بعضهم، فإنَّ اعتراضه كهواء في شبك إذا خالف الكبار، وربما يكون المدخل الذي دخل على الشيخين في تصحيح الحديث أنَّ ظاهر هذا الحديث على شرط مسلم من الاكتفاء بالمعاصرة، فنقول: لو كان على شرطه لخرجه في صحيحه، سيما وأنَّه لم يُخرِّج تحت هذا الباب شيئاً، وأما عن تدليس محمد، فإنَّ أحداً لم ينص على أنَّ محمداً مدلس، ولكن مطلب استحضار صيغة السماع الصريحة منه حتى ينتفي عندنا احتمال الإرسال الخفي بين الراوي وشيخه، ومنه تعلم سطوع شرط البخاري على شرط مخالفه، وذلك أنَّ البخاري حينما شرط التصريح بالسماع ولو لمرة واحدة، كان هذا الشرط على عموم المرويات، يعني: إذا كان للراوي عن شيخه (100) حديث شرط أن يصرح بالسماع من المئة مرة واحدة، وأما إذا كان للراوي عن شيخه حديث واحد أو حديثان فهذا سيكون من جملة الغرائب التي يحتاط فيها ما لا يحتاط في غيرها. فإذا كان الراوي ليس من المكثرين، وإنما له من الحديث شيءٌ قليلٌ عوض حديثه بما اشتهر في الباب، وهذا لا ينطبق على المكثرين كالزهري وشعبة والثوري وأضرابهم إذا انفرد أحدهم بحديث ما كان ذلك الانفراد منقبة له لا مثلبة، والله أعلم.

وأما ما نقله عن ابن التركماني في " الجوهر النقي " 2/ 100 وقد تقدم فنجيب عنه فنقول: ومن قال: إنَّ البخاريَّ جرح محمداً؟ وهل قول الناقد: (فلان لم يتابع على كذا) يعد نَصّاً في التجريح أم أنَّه إشعار بتفرّد الراوي بهذا الإسناد. ثم إنَّ هذا الإسناد: (أبو الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة) هذا أحد الأسانيد الذهبية التي إن صحت ضُربت إليها أكباد الإبل، فعلامَ إذن ينفرد به راوٍ، ولم يتابع عليه، وينفرد عنه راو آخر، وفي الحديث شبهة انقطاع وفيه اختلاف في متنه، فهذا كله ألا يثير في القلب ريبة بإعلاله؟ ثم إنَّ هذا الحديث وبالحالة التي قدمناها اكتسب صفة الغرابة، وقد قال سلف الأمة بالابتعاد عن الغرائب، فقد قال يحيى بن معين في " تاريخه " (541) برواية

الدوري: ((ما أكذب الغرائب))، ونقل الخطيب في " الكفاية ": 172 عن أحمد أنَّه قال: ((شر الحديث الغرائب، التي لا يعمل بها، ولا يعتمد عليها) ونقل عنه أيضاً أنَّه قال: ((تركوا الحديث، وأقبلوا على الغرائب، ما أقل الفقه فيهم!) ونقل عن أبي يوسف يعقوب بن إبراهيم القاضي قوله: ((من اتبع غريب الحديث كذب)) وفي: 173 عن عبد الرحمان بن مهدي يذكر عن شعبة قيل له: من الذي يترك حديثه؟ قال:

((الذي إذا روى عن المعروفين ما لا يعرفه المعروفون فأكثر، طرح حديثه)).

وانظر: " تحفة الأشراف " 9/ 601 (13866).

وقد روي هذا الحديث من غير هذا الوجه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير