تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ثم رأسه بعدهما، ورأيناه إذا رفع بدأ برأسه فكان الرأس مقدماً في الرفع مؤخراً في الوضع، ثم يثني بعد رفع رأسه برفع يديه ثم ركبتيه وهذا اتفاق منهم جميعاً، فكان النظر على ما وصفنا في حكم الرأس إذا كان مؤخراً في الوضع لما كان مقدماً في الرفع أنْ يكون اليدان كذلك لما كانتا مقدمتين على الركبتين في الرفع أنْ تكونا مؤخرتين عنهما في الوضع، فثبت بذلك ما روى وائل، فهذا هو النظر، وبه نأخذ، وهو قول أبي حنيفة، وأبي يوسف، ومحمد رحمهم الله تعالى ... )).

قلت: حديث أبي هريرة يدور بين الدراوردي وعبد الله بن نافع وبينهما من الاختلاف ما هو ظاهر للعيان، وقد تُكُلِّم في سماع محمد بن عبد الله بن الحسن من أبي الزناد، قال البخاريُّ في " التاريخ الكبير " 1/ 141 (418): ((ولا يتابع عليه، ولا أدري سمع من أبي الزناد أم لا؟)) فتعقّبه أحد فضلاء العصر وأقصد به أبا إسحاق الحويني فقال في " نهي الصحبة ": ((ليس في ذلك شيء بتة، وشرط البخاريِّ معروف والجمهور على خلافه من الاكتفاء بالمعاصره إذا أمن من التدليس، وقال ابن التركماني في "الجوهر النقي" (المطبوع بحاشية " السنن الكبرى " للبيهقي 2/ 100) عنه: وثّقه النَّسائيُّ، وقول البخاريِّ: لا يتابع على حديثه ليس بصريح في الجرح فلا يعارض توثيق النَّسائيِّ انتهى. ومحمد هذا كان يلقب بالنفس الزكية، وهو براء من التدليس، فتحمل عنعنته على الاتصال، قال المباركفوري في " تحفة الأحوذي " 2/ 135: وأما قول البخاريِّ: لا يتابع عليه، فليس بمضر فإنَّه ثقة ولحديثه شاهد من حديث ابن عمر وسبقه الشوكاني إلى مثل ذلك في " نيل الأوطار " 2/ 284 وانتصر لذلك الشيخ المحدّث أبو الأشبال أحمد محمد شاكر في تعليقه على " المحلى " 4/ 124 - 130 فقال بعد أنَّ ساق حديث أبي هريرة: وهذا إسناد صحيح ومحمد بن عبد الله بن الحسن النفس الزكية وهو ثقة وقد أعل البخاريُّ الحديث بأنَّه لا يدري سمع من محمد بن أبي الزناد أو لا؟ وهذه ليست علة، وشرط البخاري معروف لم يتابعه عليه أحد، وأبو الزناد مات سنة130هـ بالمدينة ومحمد مدني أيضاً غلب على المدينة، ثم قتل سنة 145هـ وعمره 53 سنة، فقد أدرك أبا الزناد طويلاً)) انتهى كلامه.

قلت: هكذا اعترض الشيخ على البخاري رحمه الله، وهذه الاعتراضات ليست بشيء إذا ما قورنت بما كان عليه الأئمة، مما اشترطوه للصحيح، قال الخطيب في " الكفاية ": 291: ((وأهل العلم بالحديث مجمعون على أنَّ قول المحدث حدثنا: (فلان، عن فلان) صحيح معمول به إذا كان شيخه الذي ذكره يعرف أنَّه قد أدرك الذي حدث عنه ولقيه وسمع منه، ولم يكن هذا المحدث ممن يدلس)) انتهى، وقال ابن عبد البر في "التمهيد" 1/ 48: ((أجمعوا – أي: أهل الحديث- على قبول الإسناد المعنعن لا خلاف بينهم في ذلك إذا جمع شروطاً ثلاثة وهي: عدالة المحدّثين في أحوالهم، ولقاء بعضهم بعضاً مجالسة ومشاهدة، وأن يكونوا براءً من التدليس .. وهو قول مالك وعامة أهل العلم))، وقال النووي في " شرح صحيح مسلم " 1/ 33: ((ومنهم من شرط ثبوت اللقاء وحده، وهو مذهب علي بن المديني، والبخاري، وأبي بكر الصيرفي الشافعي، والمحققين، وهو الصحيح) وقال أيضاً في 1/ 124: ((وهذا الذي صار إليه مسلم، قد أنكره

المحققون، وقالوا: هذا الذي صار إليه ضعيف، والذي رده هو المختار الصحيح الذي عليه أئمة هذا الفن: علي بن المديني، والبخاري وغيرهما ... ))، وقال أيضاً: (( ... ودليل هذا المذهب المختار الذي ذهب إليه ابن المديني، والبخاري، وموافقوهما: أنَّ المعنعن عند ثبوت التلاقي، إنَّما حمل على الاتصال؛ لأنَّ الظاهر ممن ليس بمدلس أنَّه لا يطلق ذلك إلا على السماع، ثم الاستقراء يدل عليه)).

وقال الحافظ في " هدي الساري ": 14: (( ... وأما من حيث التفصيل فقد قررنا أنَّ مدار الحديث الصحيح على الاتصال وإتقان الرجال وعدم العلل، وعند التأمل يظهر أنَّ كتاب البخاري أتقنُ رجالاً وأشد اتصالاً ... )).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير