ـ[أبو الأشبال عبدالجبار]ــــــــ[27 - 10 - 08, 04:17 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله تعالى، والصلاة والسلام على نبينا محمد.
أما بعد:
أخي الفاضل:
بالنسبة للرواة الذين أخرج لهم الإمام البخاري البخاري في صحيحه، وقد تكلم فيهم البعض:
1 - قد يختلف النقاد في أحد الرواة، وقول الأئمة النقاد مقدم على غيرهم.
2 - وقد يكون البعض متشددا جدا، وهذا معلوم.
3 - وهذا العلم له شأنه، وأهله، فإذا أتيت للعوام، والمقصود غير المتخصصين، وقلت لهم ما قلت كيف لهم أن يفهموا ما تريد قوله لهم، إن هذا العلم تلقته الأمة وعملت به، وقام به علماء أفذاذ أفنوا أعمارهم وهم يجوبون الأقطار طلبا لهذا العلم، حتى أن بعضهم أشرف على الهلاك بسبب المشاق والأخطار التي كابدها، والآن يأتي البعض ليتكلم بالكلام الآنف الذكر.
ولو أن العلماء التفتوا لمروجي الشبه، وهم يجوبون الأقطار بحثا عن العلم وأهله، لقاموا بوضع كل لفظ مناسبا لفهم أهل الشبه، ولكن هيهات هم في واد وأهل هذا الفكر في واد.
4 - ويكفي أن أعداء الأمة قالوا فليفخر أهل الإسلام بعلم الرجال ما شاءوا أو كما قالوا.
5 - ولا بأس أن آتي بمثال، وبالمثال أسأل الله تعالى أن يتضح المقال:
1 - إبراهيم بن عبد الرحمان بن إسماعيل السكسكي، أبو إسماعيل الكوفي.
أخرج له الإمام البخاري:
ورد في تهذيب الكمال:
قال علي ابن المديني عن يحيى بن سعيد: كان شعبة يضعفه، كان يقول: لا يحسن يتكلم.
وقال أحمد بن حنبل: ضعيف.
وقال النسائي: ليس بذاك القوي، يكتب حديثه.
وقال أبو أحمد بن عدي: لم أجد له حديثا منكر المتن، وهو إلى الصدق أقرب منه إلى غيره، ويكتب حديثه كما قال النسائي.
وعند تأملنا لهذا الكلام لابد أن نتذكر منزلة الإمام البخاري، فكل علم له علماء وصلوا لأعلى مرتبة فيه، ولا بد أن نتذكر أن هناك متشددين تكلم عنهم أهل العلم.
وبالنسبة للإمام أحمد قد عرض عليه الصحيح فوافق الإمام البخاري إلا في أحاديث قليلة لا أظن أن أحاديث السكسكي منها.
أما بالنسبة للنسائي: قال: ليس بذاك القوي يكتب حديثه، وهذا القول منه غير قوله في راو آخر:
(ضعيف؛ وقد يفسر قوله فيقول في موضع آخر: ليس بثقة ولا يكتب حديثه)
وتأملوا معي ما أشار إليه ابن عدي:
(وقال أبو أحمد بن عدي: لم أجد له حديثا منكر المتن، وهو إلى الصدق أقرب منه إلى غيره، ويكتب حديثه كما قال النسائي)
ولاحظوا قوله:
(لم أجد له حديثا منكر المتن).
أي أن حديثه إلى القوة أقرب، فقط يحتاج إلى ما يقويه ليثبت، ومن لهذا إلا الخبراء.
وانظروا لما قاله الجديع:
(وقال عبد الله بن يوسف الجديع في تعليقه على (المقنع) لابن الملقن في شرح عبارة ابن الصلاح هذه عندما نقلها ابن الملقن (1/ 282 - 283) ما نصه: (هذا هو التحقيق الذي يرتضيه أصحاب الفهم السليم لخفايا هذا العلم، فإن الناقد العارف حين ينزل بوصف الراوي عن (ثقة) فيقول: (صدوق) لم ينزل إلا لمعنى أراده، وهذا المعنى يعود إلى ضبطه وإتقانه، فكأنه يقول: (هو صدوق وليس هو بالمتقن وليس حديثه كحديث الثقات)؛ وهذا الموضع هو الذي يتنازع فيه النقاد بين القبول والرد ويعمل فيه التعصب عند غيرهم عمله، وإلا فإن الحافظ الناقد أبا محمد بن أبي حاتم حين قال في الراوي الصدوق وشبهه: (يكتب حديثه وينظر فيه) إنما استفاد ذلك من ألفاظ الأئمة أهل الشأن، والواقع يؤيد ذلك، فإن الراوي الموصوف بمثل هذا الوصف لا يسلم غالباً من لين وخطأ في حديثه، أو يكون قليل الحديث ليس بالمشهور، مما يثير شبهة في نقله تحتاج إلى احتياط بالغ وتحرٍّ شديد للخلوص الى تقوية حديثه وتجويده.)
ولعمري إذا لم يتميز الناقد هنا فأين يتميز، فلما أصبح البخاري من الأئمة النقاد إذا لم يكن طبيب مثل هذه الأمور.
ومثال ذلك:
أخرج البخاري في صحيحه:
2479 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَخْبَرَنَا الْعَوَّامُ قَالَ حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ أَبُو إِسْمَاعِيلَ السَّكْسَكِيُّ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ
أَقَامَ رَجُلٌ سِلْعَتَهُ فَحَلَفَ بِاللَّهِ لَقَدْ أَعْطَى بِهَا مَا لَمْ يُعْطِهَا فَنَزَلَتْ
{إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا}
وَقَالَ ابْنُ أَبِي أَوْفَى النَّاجِشُ آكِلُ رِبًا خَائِنٌ." أهـ
قال ابن حجر:
" قَالَ اِبْن أَبِي أَوْفَى: النَّاجِشُ آكِلُ رَبًا خَائِنٌ " أَوْرَدَهُ مِنْ طَرِيقِ يَزِيد بْن هَارُون عَنْ السَّكْسَكِيِّ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ اِبْن أَبِي شَيْبَة وَسَعِيد بْن مَنْصُور عَنْ يَزِيدَ مُقْتَصِرِينَ عَلَى الْمَوْقُوفِ، وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ اِبْن أَبِي أَوْفَى مَرْفُوعًا لَكِنْ قَالَ " مَلْعُون " بَدَل خَائِن ا هـ "
والبخاري نفسه سيقول لكم لماذا صحح هذا الحديث فقد قال:
" بَاب النَّجْشِ وَمَنْ قَالَ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ الْبَيْعُ وَقَالَ ابْنُ أَبِي أَوْفَى النَّاجِشُ آكِلُ رِبًا خَائِنٌ وَهُوَ خِدَاعٌ بَاطِلٌ لَا يَحِلُّ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَدِيعَةُ فِي النَّارِ وَمَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ ".
فحديثه له شواهد من الشرع.
فقد أخرج في الصحيح:
2499 - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ.
رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْمَخْرَمِيُّ وَعَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَبِي عَوْنٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ.
وهناك حديث آخر أخرجه ابن عدي كما أذكر، وهو:
" المكر و الخديعة في النار ".
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 3/ 46:
فالحديث صحيح قطعا. (فليراجع).
والله أعلى وأعلم وأحكم.
¥