وما زالت الجهود الطيبة باسقة في سبيل الحفاظ على هذا التراث متمثلة بتصانيف أئمة هذا العلم على أفنانها، فمنها ما اختص بكتابٍ معين ٍ، ومنها ما اهتم بموضوع معين، أو بحديثٍ أو صحابيٍ أو غير ذلك، وبالنظر في آثار المؤلفين القدماء والمعاصرين نلمح التفاوت الكبير فيما بينهم، فضلاً عن المناهج المختلفة، وفي مقدمة ما نلحظه، التصنيف في العلل بالمعنى العام لها، فمنهم من ذكر القوادح الخفية والجلية، بل توسّع فيها فذكر ما ليس بقادح.
وهذا التوجه وإن كان فيه من الفوائد، غير أنَّه يخرج بالعلة عن معناها الاصطلاحي، فضلاً عن أنَّه أدخل إلى مصنفات العلل ما ليس منها؛ اعتماداً على أسمائها، وقد أشار الدكتور علي الصياح إلى هذا المعنى حين ذكر كتاب " علل الأحاديث " للحسن بن محبوب بن وهب الشراد البجلي (224هـ)، وتعجّب من ذكر هذا الكتاب ضمن كتب علل الحديث؛ لأنَّ صاحب هذا الكتاب من أعيان الشيعة ورجالاتهم، قال: ((ويبدو أنَّ كتاب علل الأحاديث للشراد يبحث في أحد موضوعين:
الأول: في جمع الطعون في الأحاديث التي يستدل بها أهل السنة والجماعة، كما فعل أبو القاسم البلخي (319هـ) في كتابه " قبول الأخبار ومعرفة الرواة " في الطعن على المحدّثين وجمع المثالب - حسب زعمه -.
الثاني: في علل الشريعة ومقاصدها وحكمها، وهذا أقرب؛ لأنَّ الشيعة في القرن الثالث الهجري ألفوا عدداً من المصنفات في مقاصد الشريعة وكلها تحمل اسم العلل ... )) (2).
وكتاب " جزء فيه علل الحديث " لابن السِّيد البطليوسي (521هـ) قال عنه الدكتور علي الصياح: ((وهذا الجزء في ذكره ضمن كتب علم علل الحديث نظر فيما يظهر لي، فلم أجد وصف البطليوسي بمعرفة الحديث فضلاً عن أخص علم الحديث " العلل " ... فيبدو أنَّ الكتاب إما في معرفة علل الحديث التشريعية أو علل الحديث النحوية واللغوية ... )) (3).
وكتاب " العلل " لسفيان بن سحبان، قال الدكتور الصياح: ((لم أجد من ذكره إلا ابن النديم قال: سفيان بن سحبان من أصحاب الرأي، وكان فقيهاً متكلماً من المرجئة، وله من الكتب كتاب العلل، وتابعه من جاء بعده، وما قيل في الذي قبله يقال هنا)) (4).
ونبه الدكتور علي الصياح على أنَّ أي كتاب يراد نسبته إلى كتب العلل لا بد له من نظرين:
1 - نظر في المؤلف ومنهجه النقدي والعلمي مثل كتب علل الحديث للشيعة.
2 - نظر في مضمون الكتاب، فلا يشترط في كتاب اسمه العلل أن يتضمن موضوع علم العلل بمعناه الاصطلاحي وذكر أحد الباحثين فصلاً في كتابه أسماه: (في الكتب المصنفة في العلل)، ووضع لذلك شرطين قال: ((ونحن نجري في هذا الفصل على المعنى الذي أخترناه من معنى العلة، فنذكر الكتب التي صُنفت فيما هو داخل في تعريفنا الذي ارتضيناه، وما أطلق المصنِّف فيه لفظ العلة في اسم الكتاب)) (5)، ولقد ألزم نفسه بما لا يلزمه، فأدخل في كتب العلل: (علل الأحاديث) للحسن بن محبوب الشراد البجلي، و (جزء فيه علل الحديث) لابن السيد البطليوسي، وهما ليسا من علم العلل في شيء كما مضى تحقيقه، كما ذكر كتباً هي من أمات علم العلل لم يقع في تسميتها ذكر العلة، وهذا يخالف شرطه الذي ارتضاه لنفسه (6)، وقد أفرد الشافعي في كتابه " الرسالة " باباً سمّاه: باب العلل في الأحاديث (7)، وللحكيم الترمذي كتاب " إثبات العلل "، ومقصودهما هنا حِكم التشريع ومقصده ... (8) كما أنَّ هناك كتباً لا تحمل اسم العلل لكن مضمونها علم علل الحديث مثل " مسند علي بن المديني "، و" مسند يعقوب بن شيبة "، و" التمييز " لمسلم بن الحجاج، و " الأجوبة " لأبي مسعود الدمشقي وغيرها.
ومما تجدر الإشارة إليه أنَّ كثيراً من العلماء لم يصنفوا، وإنما جمع تلاميذهم كلامهم مثل ابن معين، وأحمد بن حنبل، وغيرهما، فقد يقع الوهم بأنْ يُنسب الكتاب لغير مؤلفِه كراويه أو جامعه أو غير ذلك، وقد أشار الدكتور الصياح إلى هذا المعنى ومثّل له بكتاب " علل حديث ابن عيينة " لعلي بن المديني حيث جاءت تسمية الكتاب " العلل لسفيان بن عيينة – رواية ابن المديني – " قال الدكتور الصياح: ((وفيه نظر، فبعد التمحيص لم أجد من نسب لابن عيينة كتاباً في العلل، وإنَّما الكتاب لعلي بن المديني وعنوانه " علل حديث ابن عيينة ")) (9)، وقد
¥