تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وبناءً على ما تقدم يستثنى هذا من حديثه القديم؛ لأن شعبة ممن سمع منه قديماً وهو الذي جرحه بذلك، وهذا الفعل زاد بعدما تغيّر، ولذا قال أحمد عن بعض المحدثين: وإذا حدّث -يعني عطاء- بأحاديث ميسرة وزاذان والشيوخ لا يكتب، يعني: حين أنكر عطاء [3].

المسألة الثانية

هل اختلاطه كان شديداً أم لم يكن كذلك؟

فأقول وبالله التوفيق:

إن المختلطين عموماً على قسمين:

1. منهم من كان اختلاطه شديداً، حتى قد يتغير عقله.

والأمثلة على هذا كثيرة لمن تتبعها.

2. من كان اختلاطه عبارة عن تغير في الحفظ مع بقاء العقل والذهن سليمين، وهذا على قسمين [4]:

(أ) أن يكون هذا التغير في الحفظ، ويكون خفيفاً، ولكن بسبب كِبَر السن يحصل بعض التغيّر في الضبط.

والحكم في هذا الصنف أن حديثهم صحيح حتى يتبين الغلط فيه، ولكن القديم يكون أصح، وهذا الذي حصل لأبي إسحاق السبيعي وسفيان بن عيينة.

(ب) أن يكون هذا التغير شديد بحيث ينسى كثيراً من حديثه السابق، أو يقع منه تخليط شديد فيما سمعه عندما يحدث به، ويكون هذا بأسباب شتى ككبر السن كما تقدم، أو احتراق الكتب، أو حصول حادث لهذا الرجل أثر عليه.

قلت: وعطاء بن السائب من القسم الثاني؛ لأنه لم يُوصف بتغير العقل والذهن، ولم يأت ما يدل على ذلك، بل جاء ما يدل على خلاف ذلك، قال يحيى بن سعيد القطان: «عطاء بن السائب تغير حفظه بعدُ، وحماد سمع منه قبل أن يتغيّر».

فلم يذكر أنه تغيّر في عقله، وإنما في حفظه [5].

وهل كان هذا التغير شديداً أم لم يكن كذلك؟

قال ابن حبان: «وكان قد اختلط بآخره، ولم يفحش حتى يستحق أن يُعدَل به عن مسلك العدول بعد تقدم صحة بيانه في الروايات».

وقال ابن عدي: «من سمع منه بعد الاختلاط؛ في أحاديثه بعض النُّكْرة».

وخالفهم آخرون:

قال أحمد: قال وهيب: لما قَدِم عطاءٌ البصرة قال: كتبت عن عبيد ثلاثين حديثاً ولم يسمع من عبيدة شيئاً وهذا اختلاطٌ شديد.

وقال أحمد -في رواية أبي طالب-: «من سمع منه قديماً كان صحيحاً، ومن سمع منه حديثاً لم يكن بشيء، سمع منه قديماً: شعبة وسفيان، وسمع منه حديثاً: جرير وخالد بن عبد الله وإسماعيل بن علية وعلي بن عاصم فكان يرفع عن سعيد بن جبير أشياء لم يكن يرفعها».

وقال يحيى بن معين: «كل شيء من حديث عطاء بن السائب ضعيف، إلا ما كان من حديث شعبة وسفيان وحماد بن سلمة».

قلت: والأقرب الثاني، أن في حديثه بعد الاختلاط ضعفاً، والدليل على ذلك ما قاله علي بن المديني عن وهيب قال: قدم علينا عطاء، فقلت: كم حملت عن عبيدة –يعني السلماني- قال: أربعين حديثاً، قال ابن المديني: وليس عنده عن عبيدة حرف واحد، فقيل له: علامَ يُحمل ذلك؟ قال: على الاختلاط.

قلت: وهذا يدل على اختلاط كبير بحيث أنه روى عن عبيدة أربعين حديثاً، وهو لم يسمع منه شيئاً، ولذا قال الإمام أحمد عن هذه القصة: وهذا اختلاط شديد [6].

دليل آخر: قال الحميدي عن ابن عيينة: كنت سمعت من عطاء قديماً، ثم قدم علينا قدمة فسمعته يحدّث ببعض ما كنت سمعته، فخلّط فيه فاتقيته واعتزلته [7].

دليل آخر: روى العقيلي عن ابن علية قال: قدم علينا عطاء البصرة، وكنا نسأله، فكان يتوهّم، قال: فيقول له: من؟ فيقول: أشياخنا ميسرة، وزاذان، وفلان، وفلان.

وفي رواية لابن علية يقول: كان عطاء إذا سُئل عن الشيء، قال: كان أصحابنا يقولون، فيقال له: من؟ فيسكت ساعة، ثم يقول: أبو البختري، وزاذان، وميسرة، قال: وكنت أخاف أن يكون يجيء بهذا على التوهم، فلم أحمل منه شيئاً.

دليل آخر:

ما قاله الإمام أحمد -في أثناء كلامٍ له عن عطاء-: «وكان يرفع عن سعيد بن جبير أشياء لم يكن يرفعها»، وهذا يدل على أنه تغيّر؛ لأنه رفع عن سعيد بن جبير أشياء كان في السابق لا يفعل ذلك، ولذا قال أبو حاتم الرازي [8]: «رفع أشياء كان يرويه عن التابعين فرفعه إلى الصحابة» ا. هـ

قلت: وهذه الأدلة تدل على أن في حديثه ضعفاً، وأنه نسي كثيراً، ووقع في أحاديثه تخليط، ولذا قال بعض أهل العلم -بعد أن ذكر من سمع منه بعد الاختلاط-: «سماعهم منه فيه ضعف».

وقال أحمد في رواية عنه: «من سمع منه بالبصرة فسماعه مضطرب».

وقال ابن معين: «كل شيء من حديث عطاء ضعيف، إلا ما كان من حديث شعبة، وسفيان، وحماد بن سلمة».

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير