وقال أبو حاتم: «ثم بآخره تغير حفظه، في حديثه تخاليط كثيرة».
وقد وصفه العجلي بعد ما تغيّر بأنه كان يُلقّن، فقال: «كان بآخره يتلقن إذا لقنوه في الحديث؛ لأنه كَبِر، صالح الكتاب» [9].
وأما حكم حديثه في هذا القسم -وهو الثاني- فهو على ثلاثة أقسام:
1: ما دل الدليل على أنه حفظه ولم يخلط فيه، وذلك عندما يُتابع أو يأتي ما يشهد لهذا الحديث من أحاديث أخرى، فحكم هذا: القبول؛ لما تقدّم.
2: ما دل الدليل على أنه قد أخطأ فيه وخلّط، وذلك عندما يخالف بمن هو أوثق منه وأحفظ، فحكم هذا: الرد.
3: عندما لا يكون من الأول، ولا من الثاني، فحكم هذا: التوقّف فيه، وأن فيه ضعفاً.
تنبيه: يُستثنى من هذا التقسيم ما رواه عن أبيه من أحاديثه المشهورة، فالأصل فيه الاستقامة.
قال أبو داود: سمعت أحمد قال: كان فلان بعض المحدثين -سماه أحمد- عند عطاء بن السائب فكان إذا حدّث عن أبيه أحاديثه المشهورة كتبها، وإذا حدّث بأحاديث ميسرة وزاذان والشيوخ لا يكتب، يعني: حين أنكر عطاء [10].
قلت: لأن ضبطه لحديث أبيه أكثر من ضبطه لحديث غيره.
المسألة الثالثة
اختلفوا فيمن سمع من عطاء قبل الاختلاط وبعده:
أولاً: من سمع منه قبل الاختلاط:
اتفقوا على أن سفيان وشعبة سمعا منه قبل الاختلاط، غير أن شعبة سمع منه حديثين فقط بعد الاختلاط، كما تقدم في قول يحيى بن سعيد القطان: «ما حدّث سفيان وشعبة عنه صحيح، إلا حديثين، كان شعبة يقول: سمعتهما منه بآخره عن زاذان».
وقال أبوداود: قلت لأحمد: يُشاكل أحدٌ سفيان وشعبة في عطاء؟ قال: «لا، قلما يختلف عنه سفيان وشعبة» [11].
ومنهم: أيوب، وهو أقدم من شعبة والثوري.
قال الدارقطني «دخل عطاء البصرة مرتين، فسماع أيوب وحماد بن سلمة في الرحلة الأولى صحيح».
وكذلك: وحماد بن زيد:
قال يحيى القطان: «سمع منه حماد بن زيد قبل أن يتغيّر».
وقال النسائي: «ورواية حماد بن زيد وشعبة وسفيان عنه جيدة».
وقال البخاري في (تاريخه) عن علي بن المديني: «سماع خالد عن عطاء بن السائب بآخره، وسماع حماد بن زيد عنه صحيح».
وقال العقيلي: «تغيّر حديثه، وسماع حمّاد بن زيد منه قبل التغير».
ومنهم: سفيان بن عيينة، قال الحميدي عن سفيان بن عيينة: «كنت سمعت من عطاء بن السائب قديماً ثم قَدِم علينا قدمةً فسمعته يُحدّث ببعض ما كنت سمعتُ، فَخَلط فيه فاتقيته واعتزلته» ا. هـ
ولذا قال الإمام أحمد: «سماع ابن عيينة عنه مقارب، سمع بالكوفة» اهـ.
وكذلك منهم: إسماعيل بن أبي خالد، وسليمان التيمي، والأعمش، وغيرهم من أهل الكوفة مِمّن هو مثلهم في السنّ والقدم.
وهؤلاء وإن لم يُنصّ عليهم، ولكنهم أقرانٌ لعطاء، ومن أهل الكوفة خاصة والبصرة، فهم من قدماء أصحابه، فالغالب أنهم سمعوا منه قبل الاختلاط.
قال الدارقطني: «ولا يُحتج من حديثه إلا بما رواه الأكابر»؛ وهؤلاء من الأكابر.
ومنهم: وهيب، قال الدارقطني في (العلل): «اختلط ولم يحتجوا به في الصحيح، ولا يُحتج من حديثه إلا بما رواه الأكابر: شعبة، والثوري، ووهيب، ونظرائهم، وأما ابن علية والمتأخرون ففي حديثهم عنه نظر».
قلت: وقد جاء بأن وهيباً سمع منه أيضاً في الاختلاط، ففي الضعفاء للعقيلي [12]: «عن محمد بن إسماعيل عن الحسن بن علي الحلواني عن علي بن المديني عن ابن عليّة، قال: قدم علينا عطاء بن السائب البصرة، وكنا نسأله، قال: فكان يتوهم، قال: فيقول له: من؟ فيقول: أشياخنا: ميسرة وزاذان وفلان وفلان. قال علي: قال وهيب: قدم علينا عطاء بن السائب فقلت: كم حملت عن عبيدة؟ [يعني السلماني] قال: أربعين حديثاً، قال علي: وليس يروي عن عبيدة حرفاً واحداً، فقلت: فعلى ما يُحمل هذا؟ قال: على الاختلاط، إنه اختلط. قال علي: قلت ليحيى: وكان أبو عوانة حمل عن عطاء بن السائب قبل أن يختلط، فقال: كان لا يفصل هذا من هذا، وكذلك حماد بن سلمة، وكان يحيى لا يروي حديث عطاء بن السائب إلا عن شعبة وسفيان. قال يحيى: قلت لأبي عوانة: فقال: كتبت عن عطاء قبل وبعد فاختلط عليّ».
وهذه القصة تفيد أن وهيباً إنما التقى به بعدما اختلط.
ولذا قال ابن حجر بعد إيراده لهذا القصة: «فاستفدنا من هذه القصة أن رواية وهيب وحمّاد وأبي عوانة عنه في جملة ما يدخل في الاختلاط» [13] ا. هـ
¥