تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وهذه قاعدة عامة، ليست في تخريج الحديث فحسب؛ بل في جميع الفنون، والعلاقات، وسائر شؤون الحياة.

2. الوَهْم اليسير لا يلزم منه القدح في صحة الحديث ().

وقال ابن حجر: (ما حُكِم في حديثٍ ما بوهْمٍ في بعض رجاله؛ فمنه ما يؤَثِّر ذلك الوهم قَدْحًا، ومنه ما لا يؤثر) (). والوهم اليسير ليس بمؤَثِّر قَدْحًا.

فلا يُحكَم -إذًا- على كل وَهْمٍ بحكم عام؛ بل يؤخَذ بالقرائن التي تحتَفُّ بهذا الوهم، قبولاً ورَدًّا.

3. لا يُعنى بالجَوْدة «إذا أُطلقت» إلا جَوْدة الأسانيد، كما هو المتبادر إلى الفهم، من اصطلاح أهل الحديث. ()

وهذا اصطلاح المتأخرين من المحدثين؛ فإنهم: (يطلقون مصطلح ((جيد)) على الحديث الحسن بنوعيه، وقد يطلقونه على صحيح فيه كلام يسير). ()

وأما المتقدمون؛ فقد أشار جماعة من أهل العلم أنهم يريدون به تدليس التسوية، ويسمونه تجويدًا، فيقولون جوَّده فلان، أي ذكر مَنْ فيه من الأجواد وحَذَف غيرهم. ()

قال السخاوي: (وصورته: أن يروي المدلِّس حديثًا، عن شيخ ثقة، بسند فيه راوٍ ضعيف، فيحذفه المدلس من بين الثقتين، اللذين لقي أحدهما الآخر، ولم يُذكَر أوَّلُهما بالتدليس، ويأتي بلفظ محتمل، فيستوي الإسناد كله ثقات) ().

4. الحديث الصحيح على قسمين: صحيح لذاته، وصحيح لغيره.

ولما قال الإمام أحمد في ((هشام بن حسان)) (): ما يكاد يُنْكِر عليه أحد شيئًا؛ إلا وجدتُ غيره قد حدَّث به؛ قال ابن حجر بعده: (فهذا يؤيِّد ما قرَّرْناه في علوم الحديث؛ أن الصحيح على قسمين، والله أعلم) ().

والقسمان؛ إما لذاته، أو لغيره. ويريد الحافظ ابن حجر – هنا – أن يوضح أن كلام الإمام أحمد يؤيد كون الحديث إذا رواه خفيف الضبط، وقد جاء من غير طريق فهو الصحيح لغيره – وسيأتي الكلام قريبًا الكلام في تعريفه.

وأما الصحيح لذاته فقد قال ابن حجر في تعريفه: (هو الحديث الذي يتَّصل إسناده، بنقل العدل، التام الضبط، أو القاصر عنه، إذا اعتَضَد عن مثله إلى مُنتهاه، ولا يكون شاذًا، ولا مُعَلَّلاً. وإنما قلتُ ذلك؛ لأنني اعتبرْتُ كثيرًا من أحاديث الصحيحين، فوجدتُها لا يتِمُّ الحكم عليها بالصحة إلا بذلك) ().

(وهذا الذي قاله الحافظ ابن حجر هو الحق، الذي يتأيَّد بعمل النقاد عمومًا، وبصنيع الإمامين: البخاري ومسلم، في صحيحيهما خصوصًا؛ إذ لا فَرْق عندهم في التصحيح بين حديث الثقة، والصدوق، والضعيف، إذا أصاب كل منهم فيما رواه، غير أن الفَرْق بينهم هو: تفاوُت نسبة الصواب والخطأ في المرويات) ().

وإنما يقال: لِذَاته (لأن صحته ناشئة من نفسه دون إضافة شيء، أما الصحيح لغيره؛ فهو الحديث الحسن الذي ارتقى بمتابِع، أو شاهد) (). أو كما قال ابن الحنبلي الحلبي (): (فإن تعدَّدَتْ طُرق الحسن لذاته؛ بمجيئه من طريق آخر أقوى، أو مُساوِيْهِ، أو طُرُق أخرى، ولو مُنْحَطَّة؛ فهو الصحيح لغيره) ().

وهذا التعريف منضبط، إلا قوله: (ولو مُنْحَطَّة)؛ فإنها عبارة موهِمة، ولو زاد عليها قوله: ((قابلة للانجِبار))؛ لكان أضبَطَ لها، وأبْعَدَ عن الإيهام.

ولذا ما أحسن ما قاله ابن حجر، وأقرَّه عليه عبد الحق الدهلوي () في حَدِّهما للصحيح لغيره، بما: (كان فيه نوع قصور، ووُجِدَ ما يَجْبُر ذلك القصور؛ من كثرة الطرق) ().


() مقدمة الفتح - (ص 9)
() المقدمة (ص10)
() المقدمة (ص 350)
() المقدمة (ص 346)
() المقدمة (ص 8)
() الحديث الجيد عند أهل السنن الأربعة – د. عبد الوهاب الزيد (ص 44). وانظر لسان المحدثين - (3/ 217)
() فتح المغيث (1/ 194) وتدريب الراوي (1/ 226) وإتحاف ذوي الرسوخ (ص 3) وتوجيه النظر (2/ 569) دار المعرفة، بيروت.
() فتح المغيث - (1/ 194)
() هشام بن حسان الأزدي، أبو عبد الله. روى عن حميد بن هلال والحسن البصري. وعنه الحمادان والسفيانان. وقال ابن سيرين: هشام منَّا أهل البيت. مات سنة ثمان وأربعين ومائة. التهذيب (11/ 32)
() المقدمة - (ص 448)
() النكت على ابن الصلاح (ص 417). وقد مثَّل له بمثالين، أكتفي بأحدهما، فقال: (حديث أُبَيّ بن العباس ابن سهل بن سعد عن أبيه عن جده ? في ذكر خيل النبي صلى الله عليه وسلم. وأُبَيٌّ – هذا- قد ضعفه؛ لسوء حفظه أحمد بن حنبل وابن معين والنسائي، ولكن تابعه عليه أخوه عبد المهيمن؛ أخرجه ابن ماجه من طريقه. وعبد المهيمن – أيضًا - فيه ضعف، فاعتضد. وانضاف إلى ذلك أنه ليس من أحاديث الأحكام، فلهذه الصورة المجموعية حَكَم البخاري بصحته).
() علوم الحديث في ضوء تطبيقات المحدثين النقاد - (ص 25)
() محاضرات في علوم الحديث. د. ماهر ياسين الفحل (ص 3) كلية العلوم الإسلامية - جامعة الأنبار.
() محمد بن إبراهيم بن يوسف الحلبي، رضي الدين ابن الحنبلي. ولد سنة تسعمائة وثمان. مؤرخ، من علماء حلب. له نيِّف وخمسون مصنفًا، منها تاريخ حلب. توفي سنة تسعمائة وإحدى وسبعين. الأعلام للزركلي (5/ 302).
() قفو الأثر (ص 49) الناشر: مكتبة المطبوعات الإسلامية – حلب. الطبعة الثانية، 1408هـ. تحقيق: عبد الفتاح أبو غدة.
() عبد الحق بن سيف الدين الدهلوي الحنفي. ولد سنة تسعمائة وتسع وخمسين. محدث الهند في عصره. جاور في الحرمين الشريفين أربع سنوات. بلغت مصنفاته مائة، بالعربية والفارسية.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير