تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

* وأصل الرياء حب الجاه، والجاه هو قيام المنزلة في قلوب الناس، وهو اعتقاد القلوب نعتا من نعوت الكمال في هذا الشخص، إما لعلم أو عبادة أو نسب أو قوة أو حسن منظر أو غير ذلك مما يعتقده الناس كمالا، فبقدر ما يعتقدون له من ذلك تذعن قلوبهم لطاعته ومدحه وخدمته وتوقيره.

ومن غلب على قلبه حب هذا صار مقصور الهم على مراعاة الخلق مشغوفا بالتردد إليهم والمراءاة لهم، ولا يزال في أقواله وأفعاله ملتفتا إلى ما يعظم منزلته لديهم، وذلك بذر النفاق وأصل الفساد؛ لأن من طلب هذه المنزلة في قلوب العباد اضطر أن ينافقهم بإظهار ما هو خال عنه ويجر إلى المراءاة بالعبادات واقتحام المحظورات والتوصل إلى اقتناص القلوب

وهذا باب غامض لا يعرفه إلا العلماء بالله العارفون به المحبون له وإذا فصل رجع إلى ثلاثة أصول:

حب لذة الحمد، والفرار من الذم، والطمع فيما في أيدي الناس

كتب خالد بن صفوان إلى عمر بن عبد العزيز: "يا أمير المؤمنين إن أقواما غرهم ستر الله وفتنهم حسن الثناء فلا يغلبن جهل غيرك بك علمك بنفسك أعاذنا الله وإياك أن نكون بالستر مغرورين وبثناء الناس مسرورين وعما افترض الله علينا متخلفين ومقصرين وإلى الأهواء مائلين. فبكى عمر ثم قال: أعاذنا الله وإياك من إتباع الهوى".

* والرياء منه الجلي ومنه الخفي

فالرياء الجلي: هو الذي يبعث على العمل ويحمل عليه

أما الرياء الخفي: فهو الذي لا يحمل على العمل بمجرده إلا أنه يخفف مشقة العمل على النفس كالذي يعتاد التهجد كل ليلة ويثقل عليه فإذا نزل عنده ضيف تنشط للقيام وخف عليه. ومن الرياء الخفي كذلك أن يخفي العبد طاعته ولكنه مع ذلك إذا رأي الناس أحب أن يبدءوه بالسلام وأن يقابلوه بالبشاشة والتوقير وأن يثنوا عليه وأن ينشطوا في قضاء حوائجه وأن يسامحوه في البيع والشراء وأن يوسعوا له في المكان فإن قصر مقصر ثقل ذلك على قلبه كأنه يتقاضى الاحترام على الطاعة التي أخفاها.

ومن الرياء الخفي أن الإنسان يذم نفسه بين الناس يريد بذلك أن يرى أنه متواضع عند نفسه فيرتفع بذلك عندهم ويمدحونه به، قال مطرف ابن عبد الله: " كفى بالنفس إطراء أن تذمها على الملأ كأنك تريد بذمها زينتها وذلك عند الله سفه". وقال الحسن البصري:" من ذم نفسه في الملأ فقد مدحها وذلك من علامات الرياء".

روى َالْحَاكِمُ: (أَوَّلُ النَّاسِ يَدْخُلُ النَّارَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثَلاثَةُ نَفَرٍ، يُؤْتَى بِالرَّجُلِ، فَيَقُولُ: رَبِّ عَلَّمْتَنِي الْكِتَابَ فَقَرَأْتُهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَيْ سَاعَاتِهِمَا رَجَاءَ ثَوَابِك، فَيَقُولُ: كَذَبْتَ إنَّمَا كُنْتَ تُصَلِّي لِيُقَالَ: إنَّك قَارِئٌ مُصَلٍّ وَقَدْ قِيلَ، اذْهَبُوا بِهِ إلَى النَّارِ؛ ثُمَّ يُؤْتَى بِآخَرَ، فَيَقُولُ: رَبِّ رَزَقْتَنِي مَالا فَوَصَلْتُ بِهِ الرَّحِمَ وَتَصَدَّقْتُ بِهِ عَلَى الْمَسَاكِينِ وَحَمَّلْتُ بِهِ ابْنَ السَّبِيلِ رَجَاءَ ثَوَابِك وَجَنَّتِك، فَيُقَالُ: كَذَبْتَ إنَّمَا كُنْتَ تَتَصَدَّقُ وَتَصِلُ لِيُقَالَ: إنَّهُ سَمْحٌ جَوَّادٌ فَقَدْ قِيلَ، اذْهَبُوا بِهِ إلَى النَّارِ، ثُمَّ يُجَاءُ بِالثَّالِثِ فَيَقُولُ: رَبِّ خَرَجْتُ فِي سَبِيلِك فَقَاتَلْتُ فِيك غَيْرَ مُدْبِرٍ رَجَاءَ ثَوَابِك وَجَنَّتِك فَيُقَالُ: كَذَبْتَ إنَّمَا كُنْتَ تُقَاتِلُ لِيُقَالَ: إنَّك جَرِيءٌ وَشُجَاعٌ فَقَدْ قِيلَ، اذْهَبُوا بِهِ إلَى النَّارِ). وَالطَّبَرَانِيُّ وَأَبُو نُعَيْمٍ: ((مَنْ يُسَمِّعْ يُسَمِّعْ اللَّهُ بِهِ، وَمَنْ يُرَاءِ يُرَاءِ اللَّهُ بِهِ: وَمَنْ كَانَ ذَا لِسَانَيْنِ فِي الدُّنْيَا جَعَلَ اللَّهُ لَهُ لِسَانَيْنِ مِنْ نَارٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ).

** أقسام الرياء من حيث القبح:

أ ـ َأَقْبَحُهَا الرِّيَاءُ فِي الإِيمَانِ:

وهو شأن المنافقين الذين أكثر الله من ذمهم في كتابه العزيز: (إنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ)

ب ـ وَيَلِيهِمْ الْمُرَاءُونَ بِأُصُولِ الْعِبَادَاتِ الْوَاجِبَةِ:

كأن يعتاد تركها في الخلوة ويفعلها في الملأ خوف المذمَّة، وهذا أيضًا عظيم عند اللَّهِ تعالى لإنبائه على غاية الجهل وأدائه إلى أعلى أنواع المقتِ.

ج ـ وَيَلِيهِمْ الْمُرَاءُونَ بِالنَّوَافِلِ:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير