ومن مظاهر التقديس لهذا اليوم أنَّهم يُحرمون فيه النسيج والحياكة، بل ويخرجون آلات ذلك من البيت، كالآلة التقليدية التي تسمى بـ"أزطا" (آلة حياكة البرانس والأفرشة) فإنَّه إن لم تُنتهَ أشغال الحياكة قبل نهاية السنة يضطرون إلى تفكيكها وإخراجها من البيت إلى غاية انتهاء الاحتفال.
وكذلك يحرمون الرعي والعمل في الأرض لأنه يوم عيد من جهة ولأنهم يخافون إن خرجوا في هذا اليوم إلى المزارع أن يصيبهم مثل ما أصاب تلك العجوز المغرورة.
ثامنا: تحريم الطبخ وغسل الأواني وربما اللحوم الحمراء
ومنهم من نقل على سبيل الإشاعة والإذاعة لا الإنكار، أنَّ من تقاليد الأمازيغ في ليلية يناير تحريم أكل اللحم ولعله يقصد اللحوم الحمراء، لأن ذبح الدجاج من طقوس اليوم كما سبق، وأنَّهم لا يشعلون النيران، والمراد نيران الطبخ لأنهم يُعدُّون الأكل يوما من قبل، لأن يوم السنة الجديد لا طبخ فيه. وذكر أنَّهم لا يغسلون الأواني المنزلية التي تخص الطبخ، وهذه بدعة معروفة يراد بها التبرك وجلب الخيرات تُفعل في عاشوراء على وجه الخصوص، ومنهم من ذكر أنهم لا يغتسلون حتى نهاية يوم الاحتفال ودخول يوم جديد.
تاسعا: الماما نوال!؟
ومنهم من حكى عن أهل تلمسان اعتقادا يشبه اعتقاد النصارى في "البابا نوال" وهو سميته بالماما نوال، وذلك أنهم يقولون أن "امرأة يناير" تطوف ليلا بالمنازل وتوزع الحلوى والهدايا على الأطفال، وفي ظني أن هذا تركيب بين خرافة عجوز يناير وبين الخرافة النصرانية المعروفة.
عاشرا: التفاؤل بمطر ذلك اليوم
ومن الأمور المنقولة أن بعض الناس يعتقد أنه إذا أمطرت السماء في تلك الليلة أو في اليوم الأول من السنة الجديدة، فإن الأمطار ستنزل بغزارة خلال هذه السنة وسيكون الموسم الفلاحي مباركا.
الحادي عشر: عشاء يناير وبدعه
وأهم شيء في هذا اليوم، وربما يكون الشيء المشترك الوحيد بين المناطق التي تحتفل بليلة يناير إعداد عشاء خاص من مأكولات تقليدية متعارف عليها؛ تختلف باختلاف المناطق وباختلاف أنواع المحاصيل المنتجة بها، ودعاة الأمازيغية يزعمون أن هذا الصنيع تعبير من الأمازيغ عن تشبثهم بالأرض وخيراتها، وكأن الأمازيغ فقط هم من كان يسترزق من الأرض، وكأنهم هم وحدهم من يُعدُّ مأكولات خاصة في المناسبات وما يعتبرونه من الأعياد.
ومن هذه المأكولات ما يسمى بإركمن (المحتوية على جميع أنواع الحبوب والبقول) وتسمى أيضا (تمغطال وأوفثيان والشرشم) أو ثركيمت (وهي نوع من العصيدة) أو البسيسة أو البركوكس (العيش) أو الشخشوخة أو الرشتة أو الكسكس الذي يُعدُّ مرقه بأنواع متعددة من الخضر منهم من يقول سبعة فصاعدا.
ويتعلق بهذا العشاء بدع سنبينها، ونقول إنها بدع لأننا بينا أنه احتفال ديني، فمن اعتبر الاحتفال من الوثنية كان مشركا، ومن اعتبره من دين الإسلام كان مبتدعا لأنه لا صلة له بالإسلام ولطقوسه.
ومن البدع المتعلقة بهذا العشاء
1 - إيجاب إركمن، منهم من يقول إن إركمن تعتبر من الوجبات الضرورية التي يجب على كل أسرة أن تتناولها في ليلة رأس السنة مع جواز إضافة وجبات أخرى حسب إمكانيات كل أسرة.
2 - تحريم كل أكل عدا البسيسة والكسكس، وفي تونس قرأت لبعضهم أنهم يحرمون كل أكل إلا أن يكون البسيسة أو الكسكس.
3 - وجوب الشبع في ليلته، ومن الاعتقادات الباطلة التي يُروَّج لها أنَّ من لم يشبع من الطعام في ليلة رأس السنة فإن الجوع سيطارده طيلة تلك السنة، ومن أجل إرغام الأطفال على الأكل حتى التخمة يقال لهم إن من لم يشبع في تلك الليلة تأتيه عجوز في الليل فتملأ بطنه بالتبن والهشيم.
4 - التكهن بأسعد أفراد العائلة، ومن مظاهر الجاهلية التي يلصقها البعض بهذا اليوم أنَّهم يجعلون عشاءهم من الكسكس أو العصيدة ويجعلون في القصعة نواة تمر، ثم تجتمع العائلة عليها ويأكلون منها، ومن يَجد تلك النواة أثناء الأكل يعتبر رجل أو امرأة السنة صاحب الحظ السعيد فيها.
5 - التفاؤل باللبن، ومنهم من لا يجعل للكسكس مرقا بل يقدمه مع اللبن الأبيض فقط، وذلك تفاؤلا بالسنة الجديدة حتى تكون صافية مثل لون اللبن المسكوب على الكسكس.
6 - تبرك غير مشروع، وذلك برمي القليل من الكسكس أو الطعام في أنحاء البيت بغية حصول البركة، وهذا من جنس ما يفعل للأرواح وقوى الطبيعة كما سبق في فقرة سابقة.
¥