بدأت أتأمل ماذا يفعل محمود شاكر، وماهي آراؤه، وبعد خبرة وجدته يؤمن ايمانا شديدا باللغة العربية .. يؤمن ايمانا شديدا بالوحدة الاسلامية، كأنه يريد أن ينبري للدفاع عن شيئين مهمين جدا، هما اللغة والاسلام، أو القومية العربية الاسلامية، فتتلمذت عليه، وكنت أسأل نفسي: متى قرأ محمود شاكر كل هذه الكتب؟ لأنه حينما نجتمع به كان يفرغ لي. واذا قلت له مثلا: "ولقد سئمت من الحياة وطولها ... " هذا البيت لمن يامحمود؟ فاذا به يقوم ويمد يده الى كتاب ويفتح على صفحة فاذا بي أجد البيت في هذه الصفحة! ..
فهذا الالمام الشديد، ليس فقط باللغة وانما بمكتبته، لأن أناسا كثيرين عندهم كتب ولكنهم لايقرءونها أو لايهتدون الى مرجع منها.
لم يكن لمحمود محمد شاكر وطيفة ليخرج اليها بل هو ملازم بيته، ولاحظت انه معروف عند الأدباء والشعراء، وكم من مرة وأنا معه يدق التليفون فاذا بشاعر كبير معروف يقول له يامحمود .. يامحمود اسمع هذا البيت، فاذا به بكل سماحة وتواضع يسعفه ويبصره كيف ينتهي هذا البيت ..
المريدون والتلاميذ
كما دخل عنده على مرأى بصري عدد كبير من طلبة يعدون الماجستير فيبذل لهم مكتبته وفوق ذلك نصيحته .. هذا شعور انساني غريب يجب أن نتأمله فالأجيال تتعاقب، والجيل السابق يكاد يشعر أن عليه هجوما من الجيل اللاحق، فربما وقع لهذا السبب نوع من الشح أو البخل في نفوس بعض الكبار ظنا منهم أن الصغار أو الجدد انما يعملون لطردهم والحلول في مكانهم.
هذا شعور طبيعي ولكني لم أجد هذا عند محمود شاكر، لم أشعر أنه يريد أن يتكتم علمه ضنا به على من لايستحقه. وجدت العقاد يزوره، ووجدت الشاعر محمود حسن اسماعيل يكاد يلزم بيته يأكل ويشرب وينام فيه، أنا أيضا حينما ذهبت الى الخارج بعد ذلك، بعد أن قضيت في القاهرة عشر سنوات كنت دائم التردد على محمود شاكر فيها، فكنت حينما أعود من الأجازة أعود الى بيت محمود وأقيم فيه بدلا من أن أقيم في بيوت أسرتي.
تمتعنا اذن بصحبة نستمع الى شعر محمود حسن اسماعيل يقرؤه بنفسه، ولا أنسى له قصيدة جميلة جدا يقول فيها.
يارياح المغيب يااغاني الزمن
أي سر رهيب في حشاك استكن
وأشهد أن العقاد رغم مايحكي عنه من تجهم وقسوة كان يضحك في بيت محمود شاكر ضحك الأطفال ونقهقه معا ..
وعلى سبيل الضحك، هناك جانب قد لايعلمه أحد، وهو أن بعض الناس يظنون انهم قادرون على الكتابة والتأليف فيكتبون كلاما يخيل اليهم أنه كلام جميل ومفهوم، فاذا هو في الحقيقة نوع من الهزل ..
فكان لدينافي بيت محمود شاكر أيضا مجموعة من هذه الكتب السخيفة نقرؤها ونضحك
شئ غرلاليب
شئ غرلاليب أيضا أنني بدأت ألحظ أن أبناء البلاد العرلالبيةى من المغرلالب وتونس، الجزائر، السعودية الخ .. اذا قدموا الى القاهرة لابد أن يزوروا محمود محمد شاكر .. تعرفت في بيته بكثير من زعماء الحركات الوطنية الاستقلالية كما تعرفت الى"علال الفاسي"و"الطريسي" – وهما مغربيان – وتعرفت ببعض أدباء العرب الذين كانوا يأتون لزيارته خصوصا الشعراء مثل عاتكة الخزرجي"العراقية" وكذلك كثير من الأدباء وكان من أكبر سعادتي أن تعرفت بفضل محمود شاكر على بعض من الأدباء العرب ...
ثلاثة من الفلسطينيين هاجروا الى مصر .. أحدهم الأستاذ يوسف نجم، الأستاذ بالجامعة الامريكية ببيروت صاحب المؤلفات العديدة في تاريخ المسرح المصري وفي احياء التراث، وهذا الرجل لم أر مثل نهمه للكتب حتى أصبح أكبر مكتبة فردية في بيروت، نهم لايتصوره العقل، ولابد أن أروي هذه القصة:
لي صديق اسمه محمد طاهر العمري، رجل من أسرة عريقة في تركيا، ورث عن أجداده عددا كبيرا من الكتب النادرة وكان صديقا حميما لي ويحبني .. وفي يوم قال لي: أنا عندي كتب كثيرة لاأقرؤها، وأنت تحب القراءة، فادخل في هذه الحجرة واختر لك ثلاثة كتب أو أربعة فطلبت منه
الصورة
علاقة حميمة بين يحي حقي بثقافته الغربية ومحمود شاكر بدراسته العميقة للتراث العربي
¥