تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وجُنَّ جنون هُبَل فاتخذ قراره بتعذيبك حتى الموت، معيدا بذلك تاريخا ظن العالم أنه مضى وانقضى، فإذا بهذا الإبليس ينفخ فيه ثانية من فمه النتن القبيح فينتفض من أكفانه ويقوم من رقدته ويعود إلى الدنيا كالوحش الكاسر كَرّةً أخرى على يدى إبليس النجستين، قطعهما الله من جذورهما قطعا. بالله كيف يستطيع أى واحد ممن خذلوك وأسلموك لذلك الشيطان اللعين، خذلهم الله فى الدنيا والآخرة وأسلمهم إلى زبانية جهنم، أن ينام مع زوجته أو أن ينظر فى وجه أولاده أو يستريح له ضمير أو يخرج إلى خلق الله ويريهم وجهه المنافق الذليل أو يلجأ إلى المرحاض ليملأ بطنه النَّجِس الطَّفِس مما فيه من خراء؟ ألا شاهت الوجوه!

ولقد كنتُ منذ وقت قريب فى لقاء مع بعض من المنافقين الذين يريدون أن يوحوا إلى الناس أن الحكمة هى التى حجزتهم عن مناصرة السيدة الكريمة وشبيهاتها من كل مظلومة استجارت بمن ينتسبون إلى الإسلام فخذلوها وأسلموها إلى الشرك ينكّل بها وينزل عليها ضروب العذاب، فقالوا: إن رسول الله قد كان يردّ من يأتيه من أهل مكة مُسْلِمًا بعد صلح الحيبية. فإذا نحن فعلنا ذلك فإنما نفعله تأسيا برسول الله. قالوا ذلك، وكل منهم يُشِيح بوجهه بعيدا عنا وترمش عيناه وتتلفتان يمينا ويسارا كما يصنع المريبون الذين فى قلوبهم غش ومرض. فقلت لهم: تعالَوْا نقرأ ما كتبه ابن هشام عن هذا الموضوع فى "السيرة النبوية" لنرى معا إلى أى مدى تقولون أنتم وأمثالكم الصدق، وأنتم تعرفون قبل أى إنسان آخر أن بينكم وبين الصدق ما بين المشرق والمغرب.

ثم أخرجتُ كتاب ابن هشام وقرأت منه عن صلح الحديبية ما يلى: "بعثتْ قريش سُهَيْل بن عمرو أخا بني عامر بن لُؤَيّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا له: ائْتِ محمدًا فصَالِحْه، ولا يكن في صلحه إلا أن يرجع عنا عَامَهُ هذا. فوالله لا تحدّث العرب عنا أنه دخلها علينا عَنْوَةً أبدا. فأتاه سهيل بن عمرو. فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلاً قال: قد أراد القوم الصلح حين بعثوا هذا الرجل. فلما انتهى سهيل بن عمرو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تكلم فأطال الكلام، وتراجعا ثم جرى بينهما الصلح. فلما التأم الأمر ولم يبق إلا الكتاب وثب عمر بن الخطاب فأتى أبا بكر فقال: يا أبا بكر، أليس برسول الله؟ قال: بلى. قال: أولسنا بالمسلمين؟ قال: بلى. قال: أوليسوا بالمشركين؟ قال: بلى. قال: فعَلاَمَ نُعْطِي الدَّنِيّة في ديننا؟ قال أبو بكر: يا عمر، الزم غرْزه، فإني أشهد أنه رسول الله. قال عمر: وأنا أشهد أنه رسول الله. ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ألستَ برسول الله؟ قال: بلى. قال: أولسنا بالمسلمين؟ قال: بلى. قال: أوليسوا بالمشركين؟ قال: بلى. قال: فعلام نُعْطِي الدَّنِيّة في ديننا؟ قال: أنا عبد الله ورسوله، لن أخالف أمره ولن يضيعني! قال: فكان عمر يقول: ما زلت أتصدق وأصوم وأصلي وأعتق مِنَ الذي صنعتُ يومئذ مخافة كلامي الذي تكلمت به حتى رجوت أن يكون خيرا.

ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضوان الله عليه فقال: اكتب "بسم الله الرحمن الرحيم". فقال سهيل: لا أعرف هذا، ولكن اكتب "باسمك اللهم". فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اكتب "باسمك اللهم"، فكتبها. ثم قال: اكتب: هذا ما صالح عليه محمدُ رسول الله سهيلَ بن عمرو. فقال سهيل: لو شهدتُ أنك رسول الله لم أقاتلك، ولكن اكتب اسمك واسم أبيك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اكتب: هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله سهيل بن عمرو. اصطلحا على وضع الحرب عن الناس عشر سنين يأمن فيهن الناس ويكف بعضهم عن بعض، على أنه من أتى محمدا من قريش بغير إذن وليّه رَدّه عليهم، ومن جاء قريشا ممن مع محمد لم يردوه عليه، وأن بيننا عيبة مكفوفة وأنه لا إسلال ولا إغلال، وأنه من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه. فتواثبت خزاعة فقالوا: نحن في عقد محمد وعهده، وتواثبت بنو بكر فقالوا: نحن في عقد قريش وعهدهم، وأنك ترجع عنا عامَك هذا فلا تدخل علينا مكة، وأنه إذا كان عام قابِلٍ خرجنا عنك فدخلتَها بأصحابك فأقمتَ بها ثلاثًا معك سلاح الراكب: السيوف في القُرُب، لا تدخلها بغيرها.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير