-وهذا كعب بن مالك الصحابي الجليل رض1الذي تخلف عن غزوة تبوك وكان أقوى وأيسر حين تخلف عنها، وحين رجوع النبي صل1 من الغزوة،أبى إلا الصدق وقال له: " والله لقد علمت، لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به عني، ليوشكن الله أن يسخطك علي، ولئن حدثتك حديث صدق تجد علي فيه، إني لأرجو فيه عقبى الله، .. " (22).وعانى من صدقه، وتجنبه الناس خمسين ليلة، وأغري من طرف نبطي من نبط أهل الشام الذي جاءه بكتاب من ملك غسان، يطلب منه اللحوق به لمواساته، ليتيمم به التنور ويحرقه، ويتشبت بما آمن به من مبادئ سليمة، وليكرمه الله ببشارة رسول الله صل1 الذي قال له: " أبشر بخير يوم عليك منذ ولدتك أمك ". (23).ونزل فيه قول الله تعالى: " لقد تاب الله على النبيء والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد تزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم،إنه بهم رؤوف رحيم وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم .. " (24).
-ومن أجل المبدأ جلد الأئمة وعذبوا وصبروا واحتسبوا، وما غيروا وما بدلوا، وعلى منهجهم صار القلة من الدعاة والصالحين:"من المومنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا .. ". (25).
الأشرار والمبادئ:
-وعلى المبدأ الخاطئ نافح الأشرار وينافحون ويضحون ويموتون ..
فإبليس نافح عن مبدئه وضحى بالنعيم المقيم ": قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك، قال أنا خير منهم خلقتني من نار وخلقته من نار ". (26).
وابن نبي الله نوح عليه السلام نافح عن مبدئه ورفض الركوب مع أبيه في السفينة فقال:"سآوي الى جبل يعصمني من الماء .. ". (27).
ومثلهم فرعون وهامان وقارون كما قال تعالى: " وقارون وفرعون وهامان، ولقد جاءهم موسى بالبينات فاستكبروا في الارض وما كانوا سابقين". (28).
وكذا صنع أبو جهل فرعون محمد،
وهكذا كل الأشرار وكثير من الناس في زمننا من أبناء الأمة الغافلين المستغربين، أو من غير هذه الأمة، يدافعون عن مبادئ وهي خاطئة، أو لا يعرفون خطأها، نافحوا عنها وقاتلوا وقتلوا من أجلها…
والأكثرون يدعون مبادئ معتقدين حسنها كمبدأ السلام وحقوق الانسان والمساواة والعدالة ومحاربة الارهاب ولكن في الحقيقة مأربهم واحد هو الوصول عبرها الى تحقيق أهدافهم بتشييئ هذه المبادئ وإفراغها من محتواها الحقيقي واستغلالها لتحقيق مقاصد لهم.
المسلمون ومبادئهم:
نحن المسلمين نملك مبادئ أساسية وعظيمة لو طبقت وأحسن تقديمها للبشرية لكنا أصحاب المبدأ الوحيد المنقذ للبشرية. لأنها طبقت قرونا ومازالت هي الحل، والحل لا يعني التنديد والبكاء والشجب على هذا الواقع الأليم، وإنما في تجديد العهد وإعادة البيعة مع الله المتمثلة في اعتناق الدين مبدأ بتصفية معتقداتنا من كل الدخيل والشوائب. واعتناقه منهجا وعملا: بتمثل الاسلام عقيدة وانتماء وسلوكا.
بهذا وحده نوصل الاسلام الى الآخر، ويصل الاسلام الى القلوب فتتغير المبادئ الفاسدة والمنحرفة ويقبل الناس على المبادئ الصحيحة النافعة، وليس عيبا أن يغير الانسان مبدأه إذا اكتشف خطأه وعدم صوابيته، وهو فعل حصل لسحارى فرعون كما أخبر القرآن: " قال الملأ من قوم إن هذا لساحر عليم، يريد أن يخرجكم من أرضكم فماذا تامرون، قالوا أرجه وأخاه في المدائن حاشرين ياتوك بكل ساحر عليم، وجاء السحرة فرعون قالوا إن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين، قال نعم وإنكم لمن المقربين، قالوا ياموسى إما أن تلقي وإما أن أن نكون نحن الملقين، قال: ألقوا، فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم، وأوحينا الى موسى أن ألق عصاك فإذا هي تلقف ما يافكون، فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون، فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين وألقي السحرة ساجدين، قالوا آمنا برب موسى وهارون، قال فرعون آمنتم له قبل أن آذن لكم إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها فسوف تعلمون، لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ثم لأصلبنكم أجمعين، قالوا إنا الى ربنا لمنقلبون وما تنقم منا إلا أن آمنا بآيات ربنا لما جاءتنا، ربنا أفرغ علينا صبرا وتوفنا مسلمين.". (29).
¥