تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وغيرها، فتعلموا طبا وكتابة، فلما ملكت الروم مُلْك الفُرْس كانوا سببا فى إخراج الفرس عن ملكهم، وأقاموا فى مملكة الروم إلى أن ظهرت دعوة المسيح ... وبقى فى نفس المأمون منهم. فلما عاد إلى بغداد اتفق لهم مجاهرة فى بغداد بالبغى والفساد على معلمه على بن حمزة الكسائى ... ".

وعلى أية حال لم يكن المسلمون على النحو الذى صورته المؤلفة، كما لم يكن النصارى ملائكة أطهارا كما تحاول إيهامنا. ولقد كتب ابن القيم فى كتابه: "أحكام أهل الذمة" عن بعض أفعال النصارى فى العصور القديمة، فقال مثلا عما صنعوه بالمسلمين أيام الخليفة العباسى الآمر بالله: " وكذلك فى أيام الآمر بالله امتدت أيدى النصارى وبسطوا أيديهم بالجناية وتففنوا فى أذى المسلمين وإياصل المضرة إليهم، واستعمل منهم كاتب يُعْرَف بالراهب، ويلقَّب بالأب القديس، الروحانى النفيس، أبى الآباء، وسيد الرؤساء، مقدم دين النصرانية، وسيد البتركية، صفىّ الرب ومتاره، ثالث عشر الحواريين، فصادر اللعين عامة من بالديار المصرية من كاتب وحاكم وجندى وعامل وتاجر، وامتدت يده إلى الناس على اختلاف طبقاتهم، فخوّفه بعض مشايخ الكتّاب من خالقه وباعثه ومحاسبه، وحذره ن سوء عواقب أفعاله، وأشار إليه بترك ما يكون سببا لهلاكه. و كان جماعة من كتّاب مصر وقبطها فى مجلسه، فقال مخاطبا له ومسمعها للجماعة: نحن ملاّك هذه الديار حربًا وخَرَاجًا، ملكها المسلمون منا وتغلبوا علينا وغصبوها واستملكوها من أيدينا، فنحن مهما فعلنا بالمسلمين فهو قبالة ما فعلوا بنا، ولا يكون له نسبة إلى من قُتِل من رؤسائنا وملوكنا فى أيام الفتوح، فجميع ما نأخذه من أموال المسلمين وأموال ملوكهم وخلفائهم حِلٌّ لنا، وبعض ما نستحقه عليهم. فإذا حملنا لهم مالا كانت المِنَّة عليهم. وأنشد:

بِنْت كَرْمٍ غصبوها أمّها * فأهانوها، فدِيسَتْ بالقَدَمْ

ثم عادوا حكّموها فيهمو * ولناهيكَ بخصمٍ يحتكمْ

فاستحسن الحاضرون من النصارى والمنافقين ما سمعوه منه، واستعادوه وعضوا عليه بالنواجذ حتى قيل إن الذى اختاطّ عليه اللعين من أملاك المسلمين مائتا ألف واثنان وسبعون ألفا ما بين دار وحانوت وأرض بأعمال الدولة إلى أن أعادها إلى أصحابها أبو على بن الأفضل، ومن الأموال ما لا يحصيه إلا الله. ثم انتبه الآمر من رقدته، وأفاق من سَكْرته، وأدركته الحميّة الإسلامية، والغيرة المحمدية، فغضب لله غَضَبَ ناصرٍ للدين، وبارٍّ بالمسلمين، وألبس الذمة الغيار، وأنزلهم بالمنزلة التى أمر الله أن ينزلوا بها من الذل والصَّغار، وأمر ألا يُوَلَّوْا شيئا من أعمال الإسلام وأن ينشئوا فى ذلك كتابا يقف عليه الخاص والعام ... ".

وفى عهد الملك الصالح أيوب حدث ما يلى طبقا لما قصه علينا ابن القيم أيضا فى الكتاب المذكور، إذ قال: "ولو علم ملوك الإسلام بخيانة النصارى الكتاب، ومكاتبتهم الفرنج أعداء الإسلام، وتمنيهم أن يستأصلوا الإسلام وأهله، وسعيهم في ذلك بجهد الإمكان، لَثَنَاهُمْ ذلك عن تقريِبهم وتقليدهم الأعمال. وهذا الملك الصالح أيوب كان في دولته نصراني يسمى محاضر الدولة أبا الفضائل بن دخان، ولم يكن فى المباشرين أمكن منه. وكان المذكور قذاةً في عين الإسلام، وبثرة في وجه الدين. ومثالبه في الصحف مسطورة، ومخازيه مخلدة مذكورة، حتى بلغ من أمره أنه وقَّع لرجل نصراني أسلم برده إلى دين النصرانية، وخروجه من الملة الإسلامية. ولم يزل يكاتب الفرنج بأخبار المسلمين وأعمالهم وأمر الدولة وتفاصيل أحوالهم. وكان مجلسه معمورا برسل الفرنج والنصارى، وهم مكرمون لديه، وحوائجهم مقضية عنده، ويحل لهم الأدرار والضيافات وأكابر المسلمين محجوبون على الباب لا يؤذن لهم، وإذا دخلوا لم يُنْصَفوا في التحية ولا في الكلام. فاجتمع به بعض أكابر الكتاب فلامه على ذلك وحذره من سوء عاقبة صنعه، فلم يزده ذلك إلا تمردا. فلم يمض على ذلك إلا يسير حتى اجتمع في مجلس الصالح أكابر الناس من الكتاب والقضاة والعلماء، فسأل السلطان بعض الجماعة عن أمر أفضى به إلى ذكر مخازي النصارى، فبسط لسانه في ذلك، وذكر بعض ما هم عليه من الأفعال والأخلاق، وقال من جملة كلامه: إن النصارى لا يعرفون الحساب ولا يدرونه على الحقيقة لأنهم يجعلون الواحد ثلاثة، والثلاثة واحدا ... ثم قال: كيف تأمن أن يفعل في معاملة السلطان كما

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير