تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

شبّهته قمرا إذ مرّ مبتسما * فكاد يجرحه التشبيه أو كلما

ومرّ في خاطري تقبيل وجنته * فسيّلت فكرتي في وجنتيه دما

فقال: أريد أرق من هذا. فقال: يا ابن الفاعلة، أرقّ من هذا كيف يكون؟ رويدك لأنظر إن كان قد طبخ في المنزل حريرة أرق من هذا. رحمه الله تعالى".

وسر تألمى هو أن هذا الرجل يرينا أن البشر شديدو الضعف حتى إن حالهم لتنقلب من الصحة إلى الجنون لو حدثت لهم اختلالات معينة فى النسب التى بنيت أمخاخهم أو نفوسهم مثلا وفقا لها فيصيرون مساكين يُرْثَى لحالهم كما هو الأمر مع بهلول، الذى كان من الممكن أن يكون الواحد منا مثله وأسوأ حالا لو أرادت الأقدار، لكنها لم تُرِدْ، والذى كنا نعرف أمثاله فى طفولتنا، فكنا نداعبهم أحيانا، ونقسو عليهم ونؤذيهم أحيانا أخرى. ومن هؤلاء من كنا نسميه: "محمد معروف نمرة 8" لأنه كان يرتدى سترة عسكرية قديمة عليها شريط على هيئة هذا الرقم. وكان يلوذ عادة بالمقابر، فيتتبعه الصبيان هناك ويقذفونه بالحجارة، والماهر من يصيبه فى رأسه أو وجهه فيُدْمِيه. ولم يكن يجد وَزَرًا أو ملجأً من أولئك الشياطين سوى أن يمعن فى التغلغل بين المدافن لعلها تستره عنهم وتحميه من قذائفهم، وهم وراءه لا يريدون أن يتركوه. وحين أتذكر هذا الآن، ولا أدرى هل كنت أقذفه مع القاذفين أم هل كنت أكتفى بالجرى مع الصبيان أتفرج على ما يصنعون، أتألم أشد الألم لما كان ينزل بهذا المسكين من تعذيب لا يملك إزاءه شيئا سوى أن يتحمل ما يصيبه منه قدرا مقدورا لا مهرب منه. ولا أدرى إلام صار أمر ذلك الرجل الذى كان من قرية شِفَا المجاورة لقريتنا كُتَامة، رحمه الله. كان ذلك فى خمسينات القرن الماضى.

هذا، وفى الرواية تفاوتات كثيرة بين الحقيقة والواقع، فى العقيدة والتاريخ والجغرافيا واللغة والسلوك. مثلا قول الراوى (فى أول الرواية): "السما السابعة" هل هو تعبير نصرانى؟ المعروف أنه تعبير إسلامى، إذ تحدث القرآن الكريم عن السماوات السبع عدة مرات، أما فى الكتاب المقدس لدى اليهود والنصارى فليس ثَمَّ ذِكْرٌ له. ومثله كلام بدير عن غسل جسمه سبع مرات وحرصه على الإشارة إلى الرقم سبعة فى هذا السياق. ولقد بحثت فى مادة "سبعة" بـ"دائرة المعارف الكتابية" فلم أجد ذكرا لتطهير الجسد فى أى ظرف سبع مرات. ثم لم أكتف بذلك بل بحثت فى "موسوعة الكتاب المقدس" فى كتاب "اللاهوت العقيدى" تحت عنوان "أسرار الكنيسة" حيث يوجد كلام عن المعمودية، وهى أول تلك الأسرار وأهمها، إذ هى مدخل الشخص إلى الدين نفسه، فوجدت عدد التغطيسات فى الماء ثلاثة لا سبعة. وهذا نص ما قرأت: "سر المعمودية: به نولد ميلادا ثانيا بتغطيسنا فى الماء ثلاث دفعات على اسم الثالوث القدوس: الآب والابن والروح القدس. ويعتبر هو الباب الذى يدخل منه المؤمن إلى الكنيسة وملكوت الله، طبقا لقول الرب يسوع: "إن كان أحد لا يولد من الماء والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله" (يو3: 5) ". وبهذا لا أفهم كيف يحرص بدير على غسل جسده سبع مرات وكيف يحرص على ذكر ذلك. وفى الصفحة الرابعة والعشرين نسمع بدير يقول لثاونا يطمئنه بأن أحدا من المسلمين لن يتعرض لهما لأنهما "فى المعمودية"، مفسرا ذلك بأنهما سيكونان فى "لبوسٍ كهنوتية" بنص عبارة الكاتبة، وكأن كلمة "لَبُوس" كلمة مؤنثة، على حين هى كلمة مذكرة. فتكون الكاتبة قد أخطأت مرتين: مرة عندما فسرت المعمودية بارتداء ملابس كهنوتية مع أن هذا المصطلح إنما يعنى دخول الشخص فى النصرانية حقيقة أو اعتبارا، ومرة عندما أنثت الكلمة، وهى مذكَّرة.

كذلك نسمع بدير أيضا، حين يتحدث عن آدم وهو لا يزال نصرانيا لم يصبح مسلما بعد، يسارع قائلا: "عليه السلام" (ص41) مثلما يصنع المسلمون. والنصارى لا يستخدمون هذه العبارة التى ليست من قاموسهم ولا من استعمالاتهم. ومثل ذلك استخدام مصطلح "الفُتْيَا" (ص112)، وهو ليس مصطلحا نصرانيا حتى يقوله الراوى عن جواب مسألة دينية نصرانية. وكان بدير وثاونا قد لقيا امرأة مصرية فى الطريق إلى بلاد البشمور أخبرتهما أنها اضطُرّت إلى تزويج ابنتها من رجل مسلم نظرا إلى أن أهل القرية التى تعيشان فيها قد أسلموا جميعا على بَكْرَة أبيهم، وأنها تريد أن تطمئن إلى أنها لم تغضب الرب بهذا الذى صنعته، فكان تعليق بدير: "أُسْقِطَ فى يد ثاونا، وهو المتكفل

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير