تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ونسى مخاوفه من أن يراهما أحد المشرفين على المكان واندمج فى الدور ونال ما يشتهيه منها على أحسن وضع، وقد أصابه (كما يقول هو لا أنا والله العظيم) مَسٌّ من الجنون وأخذته لذة شيطانية باهرة (ترى ما الداعى هنا إلى ذِكْر الشياطين؟ ألم نكن سمنا على عسل منذ قليل؟) وجثم فوقها وهات يا ... وهات يا ماذا؟ سوف أسكت وأترك الباقى لذكائكم الخارق.

ومنذ ذلك الحين أصبحت الفتاة، كما أخبرها هو، زوجته وخليلته ووليفته حتى يوم الدينونة، وأكد لها أنه لن يتركها أبدا ما دام فى قلبه عرق ينبض (كما بشر أحد الحكام المسلمين شعبه منذ فترة ليست بالبعيدة، فكانت أسوأ بشرى!)، وسيضعها فى بؤبو العين ويجعل رمشه حجابا عليها بنص عبارته لها، وإن لم يضف أنه "سوف يتكحَّل عليها" طبقا لكلام الأغنية التى تشدو بها عايدة الشاعر. وهو ما لحسه بل لحسته الكاتبة بعد قليل، فكلام الليل المدهون بزبد ما إن يطلع عليه النهار حتى يسيح، إذ لم تعد الرواية إلى سيرة هذه الشريفة ربة الصون والعفاف بعد هذا قط. لماذا؟ لأنه ليس لها أى دور فى الرواية. إنما جىء بها لتشويه تاريخ المسلمين فقط. وقد تم المراد، والحمد لله، الذى لا يحمد على مكروه سواه، ففيم بقاؤها بعد هذا؟ فانظر، أيها القارئ، إلى هذا الأسلوب الشيطانى فى تلطيخ صورة المسلمين وتشنيعها وتبشيعها.

ومضيًّا مع عادتى فى الاستطراد أحيانا (أهى عادتى أم سأشتريها؟) أقول إن هذا الخلبوص الكبير ما إن يهبه الخليفة المأمون (فى الرواية طبعا، أى فى الأحلام والأوهام وليس فى الحقيقة، فالمأمون لم يكن يوزع الجوارى الجميلات ذوات الأصوات الكروانية على الفقراء التعساء كجزء من مال الزكاة التى تجب على الأغنياء، وفى مقدمتهم الخلفاء، نحو المحتاجين والمساكين كما تصوره الكاتبة فى لحظة من لحظات التجلى التى كان يكتب فيها أبو الفرج الأصفهانى، مع حفظ المقامات طبعا، فأين سلوى بكر من الأصفهانى العبقرى الكبير رغم ما نأخذه عليه من ناحية المبالغات والإحالات فى الروايات التى يسوقها فى كتابه؟)، نعم ما إن يهبه المأمون الجارية المغنية الجميلة حتى يسرّحها ويتنازل عنها لأحد معارفه (إخص عليه ثلاثين ألف إخص! هل هناك رجل عاقل يفرط فى مثل تلك المغنية الفاتنة التى أحرقتَ يدك يا مغفل بسبب انبهارك بها؟ صحيح أنت "مُو حَقّ نعمة" كما يقول السعوديون. أنت "وشّ فقر" كما يقول المصريون!) ولا يبقيها معه ملك يمين، أو إذا كان رجلا تقدميا لا يرضى بملك اليمين (كالقرامطة الذين كان ينتسب إليهم صديقه الحسين الطباخ قبل أن يوجد فى الدنيا شىء اسمه القرامطة والذين يجعل رفاقُنا البعداءُ منهم مثالا للحكمة والثورية والبطولة)، فليتخذها زوجة وينال منها فى الوضعين ما يناله الرجل من المرأة فى الحلال على سنة الله ورسوله. من الواضح أنه يؤثر الزنا على العفاف. ثم تقول الكاتبة إن ضميره كان يؤلمه أشد الألم لما فعله فى صباه مع بنت الجيران، مما يخيِّل للقارئ أنه قد تاب وأقلع عن أمور الخلبصة هذه. الله يحيرك يا بدير. قادر يا كريم! ولكن نعود فنقول إن من الظلم للرجل أن نحمّله المسؤولية عن هذا الاضطراب المعيب فى تصرفاته واختياراته، فما هو فى الحقيقة إلا "العبد المأمور" للكاتبة، التى تقول له: "تعال يا بدير"، فيأتى بدير، و"اذهب يا بدير"، فيذهب بدير. كل ذلك دون أن يجرؤ على النظر فى عينيها، بله أن يعصيها ويرفض تأدية أوامرها، وإلا لضربته فى وجهه فأدمته وحطمت أنفه بطفاية السجائر التى أمامها. أليست مصر هى بلد "طلباتك أوامر يا ريّس"؟ ذلك أن سلوى بكر هى الريّسة التى كل طلباتها أوامر، وبدير هو العبد الذى لا يستطيع أن ينبس ببنت شفة اعتراضا على ما تقول!

ومن هذا التفاوت المعيب، وبخاصة أنه يتعلق هذه المرة باسم المتمرد البشمورى الذى تتمحور الرواية حول تمرده وتتخذ من لقبه عنوانا لها، أنه يُدْعَى فيها: مينا بن بقيرة (ص135، 144 مثلا)، على حين أن هذا الرجل ليس هو بشمورىّ عصر المأمون، بل بشمورىّ عصر عبد الملك بن مروان حسبما جاء فى "تاريخ البطاركة" لساويرس بن المقفع، الذى كتب اسمه: "مينا بن بكيرة" بالكاف لا بالقاف (2/ 390)، أو بشمورى مروان بن محمد آخر خلفاء بنى أمية "مينا بن بقيرة" كما جاء فى "سندباد عصرى" (ص 136)، وكما جاء أيضا فى تاريخ الكنيسة القبطية

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير