تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

تمرد مينا بن بقير كان فى عهد عبد الملك بن مروان لا فى عهد مروان بن محمد. وهو ذاته ما قاله جاك تاجر فى كتابه: "أقباط ومسلمون" حيث نقرأ أن مينا بن بكيرة (بالكاف) قد رفع راية العصيان والتمرد فى عهد هشام بن عبد الملك، طبقا لما كتبه المستشرق الفرنسى كاترمير استنادا إلى مخطوط لميخائيل السورى. أما حين أتى إلى تمرد البشموريين فى عهد المأمون فلم يشر إلى مينا بن بقيرة بتاتا (انظر جاك تاجر/ أقباط ومسلمون منذ الفتح العربى حتى عام 1922م/ كراسات التاريخ المصرى/ القاهرة/ 1951م/ 99 وما بعدها).

وإنى لأستعجب كيف أخطأت الكاتبة هذا الخطأ مع رجوعها إلى ابن المقفع وميخائيل السورى وغيره من الكتابات النصرانية. أما المراجع العربية فلا تأتى على ذكر البشموريين أو مينا بن بقيرة، بل تقول كلاما عاما، مما يدل فى تصورى على أن المراجع النصرانية أرادت أن تضخم ذلك الرجل وتجعل منه بطلا دينيا. وبالمناسبة فقد جاء فى كلام ساويرس بن المقفع عن هذه الأحداث أن المتمردين فى الإسكندرية قد "مكنوا العدو من مدينتهم"، فلذلك انتقم منهم الأفشين (2/ 812). وقد ذكر جاك تاجر أن أسطولا حربيا وصل من الأندلس ورسا فى الإسكندرية (انظر جاك تاجر/ أقباط ومسلمون/ 100). كما أشار إلى ما كتبه ميخائيل السورى من أن الأندلسيين قد احتلوا مدينة الإسكندرية فى ذلك الوقت (ص101). والمعروف أن الأندلس كانت دولة معادية للعباسيين، إذ كان يحكمها الأمويون من سلالة عبد الرحمن الداخل، الذى فر عند قيام الدولة العباسية إلى شبه الجزيرة الأيبيرية وأسس دولة هناك. أى أن فى الأمر جوانب أخرى تحتاج إلى مزيد من الدراسة، وليس السبب هو زيادة الخراج فحسب كما توهمنا الرواية.

ويقرر الأستاذ محمد الغزالى أن التمرد الذى وقع فى عهد المأمون لم يكن تمردا نصرانيا فى الأساس، بل تمردا قام به المسلمون: العرب الأقحاح والمصريون المتحولون إلى الدين الجديد على السواء (انظر محمد الغزالى/ التعصب والتسامح بين المسيحية والإسلام/ طبعة جديدة ومحققة/ نهضة مصر/ 239)، وهو ما ينسف رواية "البشمورى" أو يجعلها فى مهب رياح الشكوك على الأقل. والغزالى إنما يقيم حجته على ما كتبه المقريزى، إذ يقول ذلك المؤرخ الكبير فى كتابه: "المواعظ والاعتبار فى ذكر الخطط والآثار": "لما كان في جمادى الأولى سنة ست عشرة ومائتين انتقض أسفل الأرض بأسره: عرب البلاد وقبطها، وأخرجوا العمال، وخلعوا الطاعة لسوء سيرة عمال السلطان فيهم، فكانت بينهم وبين عساكر الفسطاط حروب امتدّت إلى أن قدم الخليفة عبد اللّه أمير المؤمنين المأمون إلى مصر لعشر خَلَوْنَ من المحرّم سنة سبع عشرة ومائتين، فسخط على عيسى بن منصور الرافقي، وكان على إمارة مصر، وأمر بحل لوائه، وأخذه بلباس البياض عقوبة له. وقال: لم يكن هذا الحدث العظيم إلا عن فعلك وفعل عمالك. حمّلتم الناس ما لا يطيقون، وكتمتني الخبر حتى تفاقم الأمر واضطرب البلد. ثم عقد المأمون على جيش بعث به إلى الصعيد، وارتحل هو إلى سخا، وبعث بالأفشين إلى القبط وقد خلعوا الطاعة، فأوقع بهم في ناحية البشرود، وحصرهم حتى نزلوا على حكم أمير المؤمنين".

ثم يمضى الغزالى رادًّا على مزاعم جاك تاجر صاحب "أقباط ومسلمون" الخاصة باضطهاد المسلمين لنصارى مصر، وهو الزعم الذى قامت عليه أيضا رواية "البشمورى"، فيقول رحمه الله: "فدور الأقباط فى الثورة كان مؤازرة جمهور المسلمين الثائر، والمسلمون يومئذ هم كثرة السكان. وقد سبق لعرب الحجاز أن ثاروا فأطفئت ثورتهم وهوجمت المدينة وصُلِب بها عبد الله بن الزبير. وهذه الثورات وأمثالها فى الإسلام لها طابعها المعروف. وإلباس الثورة فى مصر ثوب الاضطهاد الدينى محاولة فاشلة لجعل تاريخ الإسلام مشابها لتاريخ النصرانية فى التعصب ضد الأقليات. وقد انتهزت هذه الثورةَ جماعةٌُ من اليونان المهاجرين يُدْعَوْن: "البياماى" فعاثوا فى الأرض فسادا وارتكبوا أعمالا شائنة، إذ أحرقوا رشيد وقتلوا سكانها المسلمين جميعا. وقد أسرع الخليفة المأمون بالمجىء إلى مصر مخافة أن تكون هذه الثورة طليعة هجوم يقوم به الأمويون بالأندلس، وأعلن عند قدومه عفوا عاما عن الثائرين من مسلمين وأقباط شريطة أن يلتزموا الهدوء: فأما المسلمون فخضعوا، وأما البياماى فقد أصروا على تمردهم برغم أن الخليفة

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير