تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أرسل إليهم البطريرك القبطى يطلب منهم التسليم، فلما رفضوا اضْطُرّ إلى إخضاعهم. وقد حقق المأمون فى أسباب الثورة، فرأى الوالىَ عيسى بن منصور مسؤولا عن اشتعالها بسياسته الخاطئة فعزله عن العمل. والمرء لا يسعه إلا أن يسخر من أوصاف المستشرقين لحركة البياماى هذه وما نسجه الخيال الطلق حول المستعمرات التى يسكنون أطرافها، والأحراش التى يختبئون فيها، والدروب التى ينقضّون منها، والهزائم التى أوقعوها بجيوش المسلمين برا وبحرا كأنهم يصفون قطعة من منطقة الغابات على شاطئ جزيرة فى بحر الظلمات" (التعصب والتسامح بين المسيحية والإسلام/ 239 - 240). لكن لا بد من التنبيه إلى أن تخريب البشموريين لرشيد وإحراقهم لها وقتلهم كل من فيها من المسلمين إنما كان فى عهد مروان بن محمد طبقا لما نقله جاك تاجر عن مخطوط لميخائيل الراهب نشره المستشرق الفرنسى كاترمير (انظر ص100 من كتاب جاك تاجر). وقد أشار البطريرك ديونسيوس كذلك إلى المذابح التى اقترفها البشموريون وخروجهم على القانون ورفضهم الانصياع لأى نصيحة أو وساطة من جانب رجال الدين النصارى أثناء تمردهم على الدولة فى عهد المأمون (انظر جاك تاجر/ 103) ..

ولا يقتصر الأمر على هذا وحده، إذ ينقل جاك تاجر (ص107) نصا فى غاية الأهمية عن ابن النقاش يذكر فيه ما صرح به المأمون لكاتم سره، إذ قال له: "سئمت من الشكاوى التى أتلقاها ضد النصارى بخصوص اضطهادهم المسلمين وعدم نزاهتهم فى إدارة الشؤون المالية". ومعنى هذا أن ما يقال عن اضطهاد المسلمين للنصارى كما أبدأت الرواية وأعادت هو كلام يُعْوِزه أساس صلب متين. وكان ينبغى أن تهتم مؤلفة الرواية بتمحيص ما قرأته فى المراجع النصرانية التى اعتمدت عليها تماما وأخذتها كما هى بعُجَرها وبُجَرها ورردته فى روايتها غافلة أو متغافلة عما تؤدى إليه طريقتها تلك.

وعلى أية حال فإن البشموريين ليسوا مصريين أصلاء بل سلالة أربعين يونانيا بَقُوا فى مصر بعد فتح العرب لها وسكنوا تلك المنطقة وتكاثروا بها طبقا لما كتبه سعيد بن البطريق، وهو بطريرك مصرى ولد سنة 263هـ، أى كان قريبا جدا فى الزمن من ثورة البشامرة فى عهد المأمون (انظر جاك تاجر/ أقباط ومسلمون/ 99 بالهامش). وهذا نص خطير فى منتهى الخطورة، وهو يتفق مع ما قيل عن "البياماى"، ذلك الاسم الذى يطلقه ديونيسيوس بطريرك تل مهرة بالشام على البشامرة (انظر جاك تاجر/ 102 بالمتن والهامش)، والذى يطلق عليهم سعيد بن البطريق اسما قريبا منه، إذ يسميهم: "البيما" كما سوف نرى من فورنا. وقد وجدت نص ابن البطريق بعد لأى فى طبعة تجمع بين الأصل مطبوعا بخط غريب الشكل مرهق فى القراءة أيما إرهاق، فضلا عن انطماسه لطول الزمن، إذ طبع منذ عدة قرون، وبين الترجمة اللاتينية، وهذا هو: "ثم بعد ذلك ثار أهل البيما بالقبطية، وتفسيرها "نسل أربعين"، وذلك أن الروم لما خرجوا من مصر فى دخول الإسلام تخلف منهم أربعون رجلا فتناسلوا وكثروا وتوالدوا بأسفل أرض مصر، فسُمُّوا: "البيما"، أى نسل الأربعين، فعَصَوْا ولم يعطوا جزية ولا خراجا،. فبلغ المأمون الخبر، فبعث بالمعتصم ومعه جند إلى مصر، فقاتلوه البيما، فقاتلهم وقتل منهم مقتلة عظيمة وهزمهم ... " (تاريخ ابن البطريق/ النص العربى والترجمة اللاتينية/ ط1658م/ 2/ 429). أى أن كل رواية "البشمورى" القائمة على أن البشامرة هم مصريون أصلاء اضطهدهم المسلمون ليست سوى أوهام فى أوهام. لقد أخذت المؤلفة موضوعها بخفة وتسرع، وكأن كل همها أن تنقل الروايات النصرانية المسيئة إلى التاريخ الإسلامى وحسب.

وفى خطإٍ مشابهٍ تقع المؤلفة فى كلامها عن القرامطة، الذين يقول سارد أحداث الرواية إنهم كانوا يعيشون فى عصر المأمون (ص166). والمعروف أن القرامطة يُنْسَبون إلى حمدان قرمط، الذى لم يكن قد هَلَّ على الوجود بعد، فكيف توجد القرمطيةٌ قبل وجود قرمط نفسه؟ ألا إن ذلك لمن أعجب العجب. لقد تُوُفِّىَ المأمون عام 218هـ، على حين لمَّا يكن قرمط قد وُلِد. ثم ظهر نشاطه السياسى فى الكوفة على استحياءٍ أواخر سبعينات القرن الثالث الهجرى فى عهد المعتضد بالله، داعيا فى البداية لأهل البيت قبل أن تُعْرَف حقيقة أمره، ومات مقتولا فى عهد المكتفي بالله سنة 293هـ. فكيف يقول راوى القصة إن من بين الملتحقين بمتمردى البشمور فى عصر

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير