تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ومما لاحظتُه أيضا فى هذا السياق جمع كاتبتنا "رسم" على "رسومات" مرارا بدلا من الاكتفاء بجمعها على "رسوم"، وقولها: "الحُمّة" بدلا من "الحُمَّى" على أسلوب العوام فى نطق أمثال هذه الكلمة. أما فى "كانت البلاد شراقيا" فكان ينبغى حذف الألف لأن الكلمة، فيما أتصور، "شراقِى"، جمع "شَرْقَى" أى عَطْشَى، وهذه صيغة منتهى الجموع فيحذف تنوينها وتنصب بفتحة واحدة إذن. قلت: "فيما أتصور" لأن "المعجم الوسيط" يقول إن الصفة من "شَرِقَت الأرض" (أى جَفَّتْ وعطِشت) هى "شَرِقَة". إلا أننا فى مصر نقول: "شَرَاقِى" على صيغة "فَعَالِى"، وهذه الصيغة لا تصلح أن تكون جمعا لـ"شَرِقة" بل أقرب أن تكون جمعا لـ"شَرْقَى"، التى لا يذكرها المعجم المذكور رغم هذا.

وفى الصفحة الثالثة عشرة بعد المائة تقابلنا الجملة التالية: "هذان الطاجنان يحاكيان جناحا الدجاجة"، وهو خطأ واضح تصويبه: "جناحَىِ الدجاجة" نصبا على المفعولية، وعلامة نصبه الياء لأنه مثنى. وهناك استعمال الكاتبة الفعل "أستحيل" فى معنًى لا يخطر أبدا على البال، وذلك حين تقول: "أستحيلها بالنسبة إليك" (ص120) بدلا من "أراها مستحيلة" مثلا. ذلك أن معنى هذا الفعل هو أن يتحول الشىء إلى وضع آخر، أو يصير متعذر الوقوع. وهو فى الحالتين فعل لازم، على عكسه فى عبارة الكاتبة حيث يرد متعديا. وهو استعمالٌ جِدُّ غريبٍ لا أذكر أن كاتبا أو أديبا بالغًا ما بلغ مستواه من الضعف اللغوى قد أقدم عليه. وفى الصفحة رقم 126 تقابلنا عبارة "مُحِيدا بالحديث" بمعنى متحولا به إلى موضوع آخر، من "أحاد" فيما هو واضح. لكن هذه الصيغة صيغة متعدية، ومن ثم لا تصلح هنا، بل التى تصلح هى صيغة "حاد، فهو حائد". وبعد ذلك بصفحتين نجد الكاتبة تقول: "دون افتقاد إلى ... "، تقصد "دون افتقار إلى ... "، وهو خلط يبعث على الاستغراب. لكن لا بد من المسارعة إلى أن هذا هو مستوى كثير ممن يُسَمَّوْن: "كتابا وكاتبات" فى مصرنا العزيزة الآن، وتقتصر الجوائز فى كثير من الأحيان عليهم وعليهن. وهى معرّة لا تصحّ أبدا.

وفى ص 145 نسمع مينا بن بقيرة المتمرد البشمورى، بعد أن ينتهى من قراءة رسالة الأب يوساب له، وهى الرسالة التى يُفْتَرَض أنه أرسلها له كى يخلع عنه رداء العصيان والخروج على الدولة ويخلد إلى الطاعة والهدوء، ينخرط فى خطبة عصماء مزلزلة باللهجة البشمورية التى يتحدثها الناس فى منطقته ينسب فيها إلى المسلمين من المظالم والمفاظع ما يخطر وما لا يخطر على البال محددا أسماء البلاد المتمردة وقائد كل تمرد كأنه يطالع فى يده كتابا من كتب التاريخ المفصلة، لنفاجأ به يشير إلى عبد الملك بن الحباب واصفا إياه بـ"متولى الخراء الذى يسمونه: الخراج". وهذا، كما يلاحظ القارئ، تلاعب لفظى لا يمكن أن يتم فى هاتبن الكلمتين إلا فى اللغة العربية لأنها هى اللغة التى تشتمل على الكلمتين، أما البشمورية فلا تعرف هاتين الكلمتين العربيتين بطبيعة الحال. وهى سقطة فنية لا تغتفر.

وبالمثل نقرأ فى صفحة 148 استعمالا للفعل "خالط" غير سديد، إذ تقول الكاتبة على لسان بدير الراوى: "وقد قال من حكى لى طرفا من أخبار البشمورى إنه ظل زمنا طويلا فى الضلال يخلط العلم بالدين، وإنه كان قد تخبط وخالَط أكثر من مرة بسب كثرة قراءاته ونظره فى الكتب". وصواب الاستعمال أن نقول: "خلَّطَ" أو "خُولِطَ فى عقله" مثلا. أما "خالط" فمعناها "اختلط بـ ... "، وليس هذا ما تقصده الكاتبة. ويذكرنى صنيع الكاتبة هنا بما أجده فى كراسات إجابات كثير من الطلاب من حومانهم حول الكلمة المرادة دون أن يصيبوها كما فعلت الكاتبة هنا. وأنا أرجع هذا إلى قلة القراءة، مما يترتب عليه أن المفردات والتعبيرات والتراكيب لا تنطبع جيدا فى ذهن الشخص. ويمكن التغلب على هذا العيب فى المدى العاجل بفتح المعاجم. ولكن لا سبيل إلى التخلص منه إلا بكثرة القراءة والاهتمام الكافى بالصحة اللغوية. أما الاكتفاء بالأصداء البعيدة للاستعمالات اللغوية فى الذهن والرضا بالمقاربة دون التحقيق فلا يليق، وبخاصة ممن يتخذ من الكتابة حرفة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير