تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وإلى جانب ما مر نجد أنه قد تكرر استخدام الكاتبة للفظة "البرق" بمعنى تطيير الخبر بوساطة الحمام الزاجل. لكن هل كانت تلك اللفظة بهذا المعنى معروفة فى ذلك الوقت؟ لقد بحثت عنها فى "تاج العروس"، وهو من نتاج القرن الثامن عشر، وكذلك فى "محيط المحيط"، الذى صدر فى القرن التاسع عشر، فلم أجدها، وهو ما يفيد أنها لم تستعمل بهذا المعنى فى العصر العباسى، وأن الكاتبة لا تستطيع أن تُحْكِم فنها، بل تكتب بعفوية فى مجال لا تصح فيه العفوية، ولا بد له من الاستعداد والاحتشاد والقراءة الواسعة العميقة والتنبه لمثل تلك الدقائق. أما فى "المعجم الوسيط" فتقابلنا: "أبرق" بمعنى "أرسل برقية"، مع النص على أنها "مُحْدَثة". والمقصود بـ"البرقية" ما يسمى فى العامية المصرية بـ"التلغراف". وإذا كان الشىء بالشىء يذكر كما يقال فقد قرأت فى مقال للعقاد، طيب الله ثراه، يتناول فيه بالتحليل كتاب "على هامش السيرة"، انتقاده لاستعمال طه حسين كلمة "الخيال" على لسان الخادمة ناصعة فيما نستعملها له الآن من معنى، وهو المعنى الذى يعبرون عنه فى الإنجليزية والفرنسية بالـ" imagination". وكانت حجته، وهى حجة صلبة غاية الصلابة، أن هذا المعنى لم يكن معروفا فى ذلك الزمن الذى تدور فيه وقائع السيرة النيوية (انظر العقاد/ ساعات بين الكتب/ ط3/ مطبعة السعادة/ 1950م/ 509). ومرجع هذا الانتقاد أنه ينبغى للقصاص الحرص على "مشاكلة الواقع".

ومما يضحك من أغلاط لغة الرواية أن نرى كلمة "الآذان" مستعملة فى موضع "الأذان" (ص223). وكثيرا ما ألاحظ كتابتها بهذه الطريقة الخاطئة على شاشة المرناء عند التنبيه إلى أن موعد "أذان" الصلاة الفلانية قد حان، فأضحك محاولا تصور الظهر مثلا أو العصر وقد صارت له آذان. ثم أنثنى فأقول: هذه هى الثمار المرة لأوضاعنا المتبلدة. لا أحد يهتم، لا أحد يلاحظ، لا أحد يراجع، لا أحد يشعر بأى فرق. ولعله يصح أن أذكر هنا ما كتبه المرحوم يوسف السباعى ذات مرة من أنه دارت يوما مناقشة بينه وبين عديله النحوى الشهير الأستاذ عباس حسن صاحب "النحو الوافى" حول الأخطاء النحوية التى يقترفها الأستاذ السباعى فى قصصه ورواياته، فكانت حجة الأستاذ السباعى أنه ما دام القراء يفهمون ما يريد قوله لهم فلا مشكلة، إذ اللغة ليست سوى وسيلة لبلوغ غاية معينة. فإذا بلغنا الغاية المرادة فلا داعى لأن نشغل أنفسنا بالوسيلة إذن. أما تعليقى فهو أن اللغة ليست وسيلة إلى الإفهام فقط، بل هى كذلك وسيلة إلى الإمتاع. وإلا فلو قصرنا الوسائل الحياتية على المنفعة فقط لكان علينا مثلا أن نسكن الأخصاص أو غصون الشجر، ونلبس الخيش، ونأكل بأيدينا الطعام مدلوقا على الأرض دون أطباق أو موائد أو ملاعق وسكاكين، ونشرب بأكفنا من القنوات والأحواض، وننام على الحصير، ونكتب على الأحجار ... إلخ. فهل هناك من يقول بذلك؟ قد يجوز هذا بالنسبة إلى الحيوان الأعجم (أقول: "قد"، لأن الحيوانات فى بعض بلاد الأرض تعامَل أفضل مما يعامَل به البشر فى بلاد أخرى)، أما بالنسبة إلى البشر، وبالذات البشر المتحضرون، فلا. ثم من قال إن الفهم الدقيق يمكن أن يتم دون نحو صحيح؟ لا، بل إن بعض الكلام لا يمكن فهمه أصلا ما لم يكن محصَّنًا بالصحة النحوية والصرفية.

ويزيد الطينَ بِلّة أن المؤلفة (ص226) تتحدث عن "البرق الشامى" وكأنه تلغراف أتى أهل أنطاكية بخبر وصول السفن بالأسرى، غير داريةٍ أن "البرق الشامى" هو كتاب ألفه العماد الأصفهانى عن صلاح الدين وجهاده وعمله عنده، أو هو البرق يسطع من جهة الشام، وهذا كل ما هناك. وفى ص228 نجدها تقول: "يتقصى عن أحوال ... " مستعملة الفعل متعديا رغم أنه لازم، ومن ثم فلا موضع هنا لحرف الجر. وفى قولها (ص234): "سماء مصر المرصعة بالنجمات" نراها تستخدم جمع الألف والتاء الدال عادةً على القلة بدلا من جمع الكثرة: "النجوم"، وهو المراد هنا، إذ هى تريد الإشارة إلى أن سماء مصر مفعمة بالنجوم كما هو واضح لا أن فيها بضع نجمات فحسب. ولعلها متأثرة بأغنية شادية: "غاب القمر يا ابن عمى التى تقول فيها: "ضحك الهوا حواليك وتمايلت النجمات". لكن وقع الكلمة فى أغنية مجدى نجيب شىء آخر تماما. وقد أنزلت الأغنية الآن وأنا أسطر هذه الكلمات، وهأنذا أسبح معها فى الفضاء العالى منتشيا بسكون الليل الذى

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير