تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وهناك صيغة غريبة من مادة "فهم" كلما قابلتنى فى الرواية، وكثيرا ما قابلتنى، لم أتمالك نفسى من الضحك. ألا وهى الفعل: "افْتَهَمَ" بدلا من "فَهِمَ" (انظر مثلا ص276، 278، 301). ترى ما الذى دفع كاتبتنا إلى استعمال هذه الكلمة؟ هل وجدتْها مثلا فى كتاب نصرانى قديم مكتوب بالعربية مثلما هو الحال فى لغة ساويرس بن المقفع المضعضعة المفعمة بالأخطاء؟ لكن هل هى متأكدة أنها كانت معروفة فى ذلك العصر على وجه التحديد؟ وفى ص296 نراها تقول عن شخصين اثنين: "فأنزليهم"، وصوابها: "فأنزليهما". وبعدها بصفحة نقرأ: "أشم روائح ذكية" بالذال، على حين أنها "زكية" بالزاى. ثم هل كانت كلمة اللاتينى (ص303) معروفة فى ذلك الوقت عند المسلمين؟ أما فيما يخصنى فهأنذا أعلن أننى لم أجدها فى أى من الموسوعتين الشعريتين المذكورتين. وفى الصفحة نفسها تقابلنا "كلوة الكف" وهى كلمة عامية معروفة بيننا الآن، لكن العرب كانوا يقولون: "الأَلْيَة" كما فى "الإفصاح فى فقه اللغة"، الذى فسرها بأنها هى "اللحمة التى فى أصل الإبهام". وفى ص 305 تجعل الفعل: "يَكْسُو" يائيا لا واويا فتقول: "يَكْسِى". كذلك تكرر استعمال الراوى لكلمة "الجريك"، التى كان عوام المصريين يقولون إلى وقت قريب فى الصفة منها: "إجريجى". وعلى كل حال فالعرب لم يكونوا يعرفون هذه الكلمة، بل "الإغريق" و"يونان". ومن الأخطاء أيضا: "راحوا يسوطوه بشدة" (ص337) بدلا من "يسوطونه"، أى يضربونه بالسوط، و"عشرين درهم" (ص338)، وصحتها: "عشرين درهما" نصبا على التمييز، وكذلك "يُصْعَد إليها بعدة دُرُج" (ص339)، وتصويبها: "درجات"، و"رهبان ظُرَاف أكياس" (ص243)، وتصحيحها: "ظِرَاف" بكسر الظاء لا بضمها. ومن شواهد استعمال القدماء فى ذلك الوقت لتلك الكلمة قول الشاعر العباسى مطيع بن إياس، ذلك الشيطان الظريف، فى قينة جميلة اسمها جوهر كان يحبها ويحب حديثها ومجالستها، فأقبل يوما إلى بيتها فقيل له إن هناك فتى آخر معها هو ابن الصحّاف، فرجع ونظم تلك الأبيات اللعينة التى حَوَّرْتُ كتابة ما تحويه من كلمات عارية حتى لا أصدم الذوق السليم:

"كان" وَاللهِ جَوْهَرَ الصَحّافُ * وَعَلَيْها قَميصُها الأَفوافُ

شامَ فيها "رأيا" لَهُ إضْلاعٌ * لَم يَخُنْهُ نَقصٌ وَلا إِخْطافُ

زَعَموها قالَت وَقَد غابَ فيها * قائِمًا في قِيامِهِ اسْتِحْصَافُ:

بَعْضَ هذا! مَهلاً! تَرََفَّقْ قَليلاً * ما كَذا يا فَتَى "تُكَان" الظِرافُ

وقد جرّأنى على إيراد تلك الأبيات التى لم يكن يدور فى خيالى ولا حتى فى المنام أن أوردها فى شىء من كتاباتى أننى ألفيت الكاتبة صفحة 326 من الرواية تورد كلاما مفصلا عن عملية الجماع وأحسن الأوقات التى ينبغى أن تتم فيها والأساليب المختلفة لممارستها .... إلخ مما حشرته فى الرواية حشرا على دَيْدَنها فى خلق المناسبات خلقا لتسوق ما تريد سوقه نقلا من الكتب حتى لو يكن السياق يتطلبه فى شىء. ومن ذلك أيضا وصفها للجماع الذى وقع بين دلوكة الأستاذة وثاونا تلميذها الفَتَى حين بدا لتلك المرأة الموقرة المحترمة الحكيمة الحاذقة (طبقا لما وصفتها به الرواية) أن تدخل السعادة والحبور على قلب تلميذها المسكين الذى كان حاله يصعب على الكافر. والحمد لله لقد كانت كافرة، فصَعُبَ حاله عليها، إذ رأت فى عينيه نداء الحرمان فرَقَّ قلبها الرهيف له ذات يوم ونادته أن يتبعها إلى مكان خال حيث ضمته إلى حضنها الأموى الدافئ الحنون ثم مدت يدها الرؤوم فخلعت له ملابسه ثم أتبعتها بخلع ملابسها أيضا واهبة نفسها للولد المحروم ابتغاء عمل الخير وكَسْب الثواب. و"مَنْ قدّم شيئا بيداه التقاه"! وليسامحنى نحاتنا الأفاضل على الإبقاء على الألف هنا فى المثنى المرفوع اتباعا للهجة بعض القبائل العربية القديمة حتى لا أفسد المثل الظريف. وكل شىء فى يومنا هذا المبارك ظريف، وأى ظرافة! وقد عملت دلوكة الفيلسوفة العالمة الطبيبة المشرِّحة ذلك كله من فرط حكمتها وتقواها! اللهم زَكِّها، أنت خير من زكّاها! ترى لو لم تكن فاضلة موقرة محترمة حكيمة حاذقة فماذا كانت بنت الفاعلة هذه فاعلة؟ ويجد القارئ وصف هذا العمل الصالح ص121 وما يليها، وهو وصف شاعرى يغرى بالفجور. وثم تقليد الآن ينتشر بين عدد كبير من الروائيين والروائيات العرب لا يمكن أحدا منهم أو منهن أن

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير