تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

يهمله، ألا وهو توبلة أعمالهم بفُلْفُل الجنس وكمّونه وشَطّته حتى تصبح حِرِّيفةً غاية الحَرَافة. وإلا فكيف تكون أديبا طليعيا تقدميا تنويريا؟

وهذه الحكاية المضحكة تذكرنى بفلم فرنسى شاهدته فى التلفاز البريطانى وأنا فى أكسفورد أواخر سبعينات القرن المنصرم جامعتْ فيه الأم ابنها الصبى الصغير المدلل فى غرفة النوم بالدور الأعلى فى الوقت الذى كان فيه الأب مع ضيوف الأسرة فى الطابق الأرضى، ثم بعدما انتهى المشهد الدنس طلبت الأم من ابنها أن يعاهدها على أن يحتفظا بذكرى تلك "الليلة المباركة" فى قلبيهما وحدهما لا يطلعان عليها أحدا. أرأيتم إلى تلك الرومانسية الرقيقة؟ الأبيات الشعرية إذن مناسبة للرواية، التى لم يكن يدور فى بالى حتى ولا فى الأحلام أنها سوف تبحر بى فى تلك المياه البعيدة الأغوار! ولكنه قضائى وقدرى المكتوب على جبينى منذ كنت فكرة فى ضمير الكون، فلا فَكَاك لى إذن منه. أليس المكتوب على الجبين لابد أن تراه العين؟ فهأنذا قد رأيته!

وإذا كان لنا أن نتحدث عن التناصّ فى شخصية دلوكة هنا فينبغى أن نعرف أن هذا الاسم معروف عند العرب لشخصية تاريخية، إذ يقول بعض المؤرخين المسلمين إنه اسم امرأة كانت معاصرة لفرعون موسى ثم تولت الملك من بعده. أما كونها عالمة فيلسوفة فهو مما يذكرنا بهيباتيا، مثلما تذكرنا نهايتها بنهاية هيباتيا، إذ قتلها النصارى فى الرواية مثلما قتلوا هيباتيا لنفس السبب، وهو أنها كانت وثنية. وفوق ذلك كانت دلوكة فى الرواية جميلة كما كانت هيباتيا جميلة.

وعودةً إلى الملاحظات اللغوية على أسلوب الرواية أقول: لقد لاحظتُ أن الكاتبة تكرر فى الرواية كلمة "النّقْف" بمعنى "عكاز أو غصن شجرة يُسْتَعْمَل عصا". إلا أن "النقف" فى المعاجم اللغوية كـ"لسان العرب" و"محيط المحيط" هو "الفرخ"، لأنه ينقف البيضة، أى يكسر قشرتها ويخرج منها ... إلخ. وأخيرا فأرجو أن يتنبه القارئ إلى أن مهمة الناقد قد تكون أسهل من الكاتب، فالذى على الشط عوام كما نقول. لكن هذا لا يعنى أن يسكت النقاد فلا ينتقدوا الأدباء، وإلا فسدت الأمور، إذ الحياة تقوم على الإنجاز من ناحية، وعلى تقويم ذلك الإنجاز أولا بأول من ناحية أخرى حتى يأتى فى المرة القادمة أفضل وأفضل ... وهكذا.

وثم نقطة أخرى تتعلق بلغة الرواية على درجة عالية من الأهمية، ألا وهى كثرة الألفاظ والتعبيرات العامية. و"البشمورى" رواية تاريخية كما لا نحتاج أن نقول. وقد جرت التقاليد الأدبية بأن تصطنع الروايات التاريخية اللغة الفصحى فى كل شىء: سردا وحوارا ووصفا ... إلخ. والمعروف أن بدير لم يكن يتحدث العربية قبل اعتناقه دين التوحيد وتعلمه لغة القرآن فى أواخر الرواية. ومع هذا نفاجأ بأنه حريص منذ البداية على استعراض الألفاظ والعبارات الموغلة فى العامية المصرية والتى لم تكن قد ظهرت بعد، إذ كان المصريون المتعربون فى ذلك الوقت حديثى عهد بالعربية أصلا، فما بالك بالعامية، وبخاصة منها ذلك النوع المغرق فى النكهة الشعبية الذى لا بد أن يكون قد أخذ وقتا طويلا قبل أن يظهر على ألسنة أجدادنا؟ وهذه بعض أمثلة مما قابلنى فى الرواية من استعمالات عامية: "فى الأول" (فى البداية) ص8، و"مَطْرَحى" (موضعى) ص8، 34، و"بَلْوِتِى" (بلواى) ص9، و"الطياشة" (الطيش) ص14، و"القُوَن" (الأيقونات) ص10، 16، و"الشمس وقيدة نار" ص23، و"على الطِّبْطاب" ص26، و"براوة" (برافو) ص95، و"نخرج من نقرة فنقع فى حفرة" ص110، و"العنب البناتى" (عنب بدون بذر) ص112، و"محلّ الأدب" (المرحاض) ص128، و"أَزَان" (إناء كبير للطبخ، وهو لفظ تركى لم يكن قد عُرِف عندنا بعد لأنه كان بيننا وبين الحكم التركى لمصر عدة قرون) ص135، و"كانت محطوطة فى جراب" (محفوظة) ص140، و"اللباس الشيت" (نوع من الملابس الشعبية التى لم تعرف إلا حديثا) ص148، و"بالكاد" (بشق الأنفس) ص163، و"تيتى تيتى زى ما رحتى زى ما جيتى" (عاد بخُفَّىْ حُنَيْن) ص170، و"للبحر وَشِيش وخفخفة" ص211، و"حلاوة سَدّ الحنك" ص240، و"ثرثرتا وبقبقتا" ص242، و"دايِرْ ما يْدُور" (محيطا بالمكان) ص267، 270، و"الخبز الإفرنجى" ص374، و"سَرْمَحَة" (تضييع الوقت بالسير فى الشوارع فى غير عمل ولا هدف) ص283، و"لماذا لا تتزوج يا شاطر؟ " (للتهكم وتقليل الشأن) ص284، و"بُقْجَة" (صُرّة) ص292،

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير