تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

زاوية الحلال والحرام، بل أقصد خوفهما من انكشاف أمرهما لأسرتيهما وانتشار الفضيحة. هل فات هذا انتباه الكاتبة؟ غريبة! وهل هذا أمر يمكن تجاهله أو عدم التنبه إليه؟ وأغرب من ذلك أن أهلها لا يكتشفون، إلا بعد أن انتحرت، أنها كانت حاملا. ترى ألم يثر هذا الحمل فى وقته الخوف فى قلبى الحبيبين الضالين؟ وأغرب من هذا وأغرب أن أهل بدير كانوا قد خطبوا البنت لأخيه، وتولى هو بنفسه الاتفاق مع الفرقة الموسيقية التى ستحيى حفل العرس، وكأن البنت التى سيتزوجها أخوه ليست حبلى منه. وأغرب من هذا وأغرب وأغرب أن أهله لم يفهموا أنه كانت بينه وبين الفتاة علاقة إلا بعد استخراجها من الماء والطين الذى أغرقت نفسها فيه. كيف؟ هذا ما لا أدريه. من المفهوم أن يكتشف أهلها الأمر عند استخراج الجثة، أما أن يعرف أهله هو بما حدث قلا أفهم كيف يكون. هل من الممكن أن يطلعهم أهل البنت على ما اكتشفوه من حبلها؟ لكن لماذا؟ هل هم مصابون بداء المازوكية، فهم يحبون أن يفضحوا أنفسهم ويجلبوا على رؤوسهم ورأس بنتهم الميتة العار هكذا لله فى لله؟ أيعقل هذا؟ إن هذه النقطة إنما تمثل مفصلا من مفاصل الرواية التى عندها تنعطف الأحداث وتتغير مصائر الشخصيات، ومع هذا فما أضعف هذا المفصل! وهو ضعف يسرى فى ثنايا الرواية ويفسد جوها ويوهى بناءها. ليس ذلك فقط، بل هناك صمت أسرة بدير جميعا بعد اختفائه إثر انتحار آمونة، إذ لا يهتم الأب والأم والأخ بالبحث أو حتى السؤال عنه. معقول؟ والله لو كان كلبا يربّونه فى البيت لاهتموا به وسألوا عنه وظلوا يبحثون حتى يجدوه.

ومن المفاصل المهمة التى تحول عندها اتجاه الأحداث ومصير الشخصيات فى الرواية خَطْف النسر لملابس الراوى الكهنوتية (ص178). فهل تخطف النسور فعلا ملابس البشر؟ ولماذا؟ المعروف أن النسور تعيش عادة فى الصحارى وفوق الجبال وفى مناطق السافانا، ولا تأكل إلا الجيف، ولا تحمل إلى صغارها فى الوُكْنة شيئا من لحوم الحيوانات النافقة التى تأكل منها، بل تكتفى بأن تخرج لها من معدتها بعض ما كانت ازدردته من ذلك الطعام (انظر مادة "نسر" فى "الويكيبيديا" العربية، ومادة " vulture" فى الويكيبيديا الإنجليزية و"الموسوعة البريطانية"، ومادة " vautour" فى كل من موسوعة "الإنكارتا" و"الموسوعة اليونيفرسالية" الفرنسية، وتحت عنوان "النسر المصرى" بمادة "الحيوان البرى فى البلاد العربية" فى "الموسوعة العربية العالمية"). لكن النسر فى روايتنا قد ظهر فى المستنقعات الموجودة فى شمال الدلتا. فكيف ذلك يا ترى؟ ومن الطريف أن تقول الكاتبة على لسان الراوى إن النسور لم تكن تشاهَد فى تلك النواحى، إذ هى من طيور الفلاة، على عكس السُّمَانَى واللقالق وأبى قردان مثلا (ص177). وهى ملاحظة صحيحة، فلماذا إذن اخترع ذلك الراوى نفسه حكاية النسر؟ ولماذا قال إن النسر قد خطف ملابسه؟ ترى هل كانت النسور يومامن أكلة الأقمشة؟ أم هل كانت صغارها تفرح بملابس الكهنوت الملونة المزخرفة، فهو يخطف ما يلقاه فى طريقه منها ويُلْبِسهم إياه ليدخل البهجة على قلوبهم، ويوفر لهم فى ذات الوقت كسوة مجانية؟ أَفْهَم أن يكتب مؤلفو "ألف ليلة وليلة" شيئا من هذا القبيل، إذ "الحكايات العربية" (كما يسميها الأوربيون) هى قصص فلكلورية لا ينبغى أن نحاسبها بالمنطق، ومن ذلك مثلا ما نقرؤه فيها من حكايات عن النسور التى تحمل البشر فى الفضاء إلى أماكن بعيدة، أو عن جبال حجر الألماس التى لا يستطيع أحد بلوغها، والتى يعمل الجواهرية حيلهم فى الحصول على ما فيها من جواهر عظيمة فيأخذون الشاة من الغنم ويذبحونها ويسلخونهاويرشون لحمها ويرمونه من فوق تلك الجبال إلى أرض الوادي، فتنزل وهي طرية، فيلتصق بهاشيء من هذه الحجارة، ثم يتركها التجار إلى نصف النهار، فتنزل النسور والأرخاخإلى ذلك اللحم وتأخذه في مخالبها وتصعد إلى أعلى الجبل، فيأتيها التجار ويصيحون عليها فتطير عن ذلك اللحم، ويخلّصون هم الحجارة اللاصقة به تاركين اللحم للطيور والوحوش، ثم ينصرفون إلى بلادهم بما حصلوا عليه من جواهر نفيسة. نعم هذا مقبول من مؤلفى "ألف ليلة وليلة"، أما أن تكتب قصّاصة فى أواخر القرن العشرين ما كتبته عن ملابس الراهب التى خطفها النسر فهذا أمر عجيب غير مفهوم. فإذا أضفنا إلى هذا أن هذه الحكاية كانت سببا لتحول

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير