تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الأحداث تحولا دراماتيكيا انتهى ببدير إلى الأَسْر ومغادرة مصر وخلع النصرانية واعتناق الإسلام تبين لنا كم تسىء هذه الحكاية إلى الرواية!

وللأسف فإن الرواية، فى جميع الفترات الحاسمة منها، إنما تقوم على مثل هذه المصادفات والافتعالات غير المنطقية. وملخص الحكاية هى أن بدير كان عائدا بصحبة ثاونا من لدن المتمرد البشمورى عندما قابلهم فجأة عساكر تابعة للخليفة فى طريقها لمحاربة ذلك الثائر، فخافا واختبآ، ولا أدرى لماذا ما داما يحملان رسالة من الأنبا يوساب تدعو البشمورى إلى إلقاء السلاح والإخلاد إلى السكينة وعدم المصادمة مع الدولة، مما يجعلهما بمنأى من الخوف. اللهم إلا إذا كان فى الرسالة شىء آخر غير ما أعلنه لنا الراوى، وكانت على العكس مما قال تعبر عن التعاطف معه وتحرضه على التمادى فى العصيان كما كان خصوم الكنيسة الأرثوذكسية يقولون طبقا لما قاله الرواى ذاته (ص 169 - 172)، وطبقا أيضا لمقال قرأته فى أحد المواقع المشباكية يتهم يوساب بالنفاق، إذ يبدو فى العلن أنه مع الدولة ضد التمرد، على حين يبعث فى الخفاء بالرسائل التى تشجع المتمردين وتستحثهم على الصمود والمضىّ فى العصيان. المهم أن عساكر الجيش الخليفى استولَوْا على بغلى الرجلين، ثم تسببوا فى افتراق الصاحبين أثناء الهرج والمرج الذى حدث بينهم وبين المتمردين، وقضى بدير ليلته على شاطئ النهر فى الأوحال رابطا نفسه بالأعشاب الطويلة، ولا أدرى كيف، حيث غلبه النوم ليقوم صباحا فيجد وجهه وملبسه الكهنوتى قد تلطخا بالطين مما اضطره لخلعه ليغسله وينشره، فيجىء النسر الأحمق فيسرقه ويطير به فى الفضاء العالى. ومن المضحك أن يقول الراوى إنه جرى وراء النسر، لكنه لم يستطع أن يلحق به. أترى النسر كان يجرى على شاطئ النهر أمامه أم ماذا؟ إن النسر يا أخا الكنيسة يطير ولا يجرى! وهكذا يرى القارئ بنفسه أننا هنا أمام فلم هندى آخر! ولقد انتهى الأمر بأسر الرجل وارتحاله إلى الشام فأنطاكية فبغداد ... وهكذا تكون الكاتبة قد أعادت الرواية العربية عشرات الأعوام إلى الوراء حين كانت تقتات على المصادفات والغرائب التى "لا يُصَدّكها عَكْل" كما كانت شويكار بنت طوب بن صقال تقول أيام انهيار السينما المصرية على يدها ويد زوجها المباركتين!

ونأتى إلى المِفْصَل الأخير، وهو مِفْصَلُ تحوُّل بدير إلى دين التوحيد (ص288). ومن الغريب أن يتم ذلك على يد الحسين بن فالح طباخ قصر الخلافة: حسين الحشاش القرارى الذى يغريه بالحشيش ويزينه له ويعرضه عليه ويشرح له فضائله الموهومة! حسين كاره الزواج ومرتاد بيوت الدعارة وباذل أقصى جهده لتعريف بدير بتلك البيوت وتذوُّق ما فى سلتها من أية فاكهة تعجبه مما استفز ضمير بدير فثار فى وجهه معلنا أنه فى الأساس رجل دين وأنه لا يمكن أن ينحط إلى تلك الدرجة من الحضيض (ص279 - 280) رغم أنه قد مارس الزنا مرارا من قبل ولا يرى فتاة أو امرأة حلوة إلا اشتهاها واشتعل جسده شبقا إليها، وهذا إن صح أنه كانت هناك بيوت دعارة فى العالم الإسلامى فى ذلك الوقت، ولا أدرى من أين أتت الكاتبة بهذه الشطحة الكرخانية! حسين، الذى لا يذكر أمه إلا بِشَرٍّ ولا يعرف مَنْ أبوه ولا أين ولا هل هو حى أو ميت! حسين الذى لا يصلى ولا يُظْهِر تدينا ويصفه الراوى ذاته بأنه يشبه الوثنيين المتوحشين (ص283)، وبأن إيمانه مزعزع، إذ يبدو وكأنه زنديق كافر أو إنسان يتراوح دوما بين الإيمان والكفر، أو الرذيلة والطهر كما يصفه هو (ص284). ثم إن الراوى نفسه قد أصبح حشاشا. فمتى كان الحشاشون يهتمون بالتحول من دين إلى دين؟ وفوق هذا فالكاتبة لم توفر له الفرصة كى يتعرف على الإسلام تعرفا يغريه باعتناقه، بل كانت تضعه دائما فى ظروف لا يَظْهَر فيها إلا على أسوإ ما عند المسلمين، وآخرها أنهم أسروه وباعوه رقيقا وقَسَوْا عليه قسوة بالغة. وحين وصل أخيرا إلى قصر الخلافة لم يجد هنالك شيئا يدعوه إلى اتخاذ مثل هذه الخطوة، إذ لم ير فى مجلس الخليفة إلا الغناء والرقص، ولم يشاهد إلا سجود الناس للمأمون (ص291)، تلك التدليسة المتهافتة التى لا ندرى من أين أتت بها الكاتبة، ولم يسمع إلا عن التفاوت الطبقى الفاحش بين قصر الخليفة والرعية المدقعة الفقر طبقا لما بثه فى أذنه ابن فالح الطباخ. ثم هل يتحول إنسان من دين إلى دين هكذا

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير