تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فجأة، وبخاصة إذا كان رجلا من رجال الكنيسة؟ سيقول بدير إنه بدأ يقرأ وإن الحسين بن فالح كان يطرح عليه أسئلة تستدعى التفكير ومراجعة المفاهيم (ص285)، علاوة على ما تذكره فجأة من كلام ثاونا له منذ وقت طويل من أن ثمة إنجيلا لبرنابا يبشر بمجىء الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ويبين أنه هو المسيا المنتظر الذى أتى السيد المسيح عليه السلام ليمهد له الطريق (ص287). لكن أين كان هذا الكلام من قبل فلم يظهر إلا الآن؟ ومتى كان مثل الحسين ذلك الحشاش الداعر يفكر فى هذه القضايا ويطرح تلك الأسئلة التى تستفز العقل والضمير؟ ثم لو أن ثاونا قد قال لبدير ذلك فعلا، فلماذا، حين عاد إلى مصر وقابل ثاونا وعرض عليه الإسلام، لم يقبل ثاونا هذا العرض بل رفضه رفضا باتا؟ ليس هذا فحسب، بل كان حزينا مغموما لأن بدير ترك النصرانية ودخل الإسلام. والعجيب أننا نسمعه رغم ذلك يقول إن الجميع: مسلمين ونصارى سوف يدخلون الجنة وإن الله سوف يرحم البشر كلهم (ص367 - 368). فلم الحزن والغم إذن؟ أليس هذا هو ما يسمونه: "سمك، لبن، تمر هندى"؟ ثم إنه بعد هذا كله (ص373) يشجع بدير على أن يصارح الناس بما يشعر به بعد دخوله الإسلام من اطمئنان وراحة بال وسكينة حتى لو آذَوْه. ولكن من الذين يمكن أن يؤذوه إذا كان يعيش فى دولة مسلمة؟

كذلك فإن بدير، فى الفترة التى كان على مشارف التحول إلى الإسلام، يؤكد أن جوهر الأديان واحد، وهو الهداية وبث الطمأنينة فى النفس والارتقاء بالبشر من حالة الوحشية إلى حالة تليق بالإنسانية. ترى لم تحول إلى الإسلام ما دامت الأديان واحدة، والرب هنا وهناك واحد لا اختلاف فى مفهوم ألوهيته إذن؟ قد يقال إن الحسين بن فالح قد أطلعه على أنه ينتمى إلى فرقة دينية تنادى بالعدل والمساواة بين البشر مما نادى به النبى الكريم عليه السلام وأصحابه الكرام، وإن هذا هو السبب الذى دفعه إلى نبذ النصرانية والدخول فى عقيدة الإسلام. لكن هذا يدخلنا فى مشكلة معقدة، ألا وهى أن الإسلام فى حد ذاته كما تعرفه جماهير الأمة وعلمائها لا يجذب أحدا إليه، بخلاف تلك الفرقة القرمطية التى كان ينتمى إليها الحسين بن فالح، فهى الكفيلة بإحداث الجاذبية المفقودة. فإذا عرفنا أن القرامطة لم يكن لهم وجود بعد، بل كان أمامهم عقود قبل أن يظهروا على مسرح التاريخ، وأنهم ليسوا سوى فرقة ضالة مضلة منحرفة، تبين لنا أن دخول بدير فى الإسلام كان قائما على الوهم لا الحقيقة.

ثم ما الذى استجد فى حياته بعد اعتناقه الإسلام؟ أم هو حدث يضاف إلى أحداث الرواية، التى لا لزوم لكثير منها، والسلام؟ أما بالنسبة إلى الكتب التى شرع، بتوجيه الحسين الطباخ، يقرؤها فتدفعه إلى التفكير فى تلك القضايا، فهل كان الطباخ رجلا مثقفا كى يوجهه إلى كتب من شأنها تحريك عقله نحو اعتناق الإسلام؟ ثم ما هى تلك الكتب يا ترى؟ هل هى كتب المعتزلة مثلا؟ هل هى كتب الشيعة؟ هل هى كتب الباطنية؟ هل هى كتب الخوارج؟ لا ذكر لشىء من هذا بتاتا. إنما هو كلام عام عن "كُتُبٍ" فحسب. فهل هذا يكفى؟ والعجيب أن نرى بدير يشرب الخمر فى عرس صديق له مجاراة للحاضرين (332) رغم أنه كان حديث عهد بالإسلام، ومثله من المتحولين الجدد إلى الإسلام إنما ينفر من هذا أيما نفور جريا على الأقل على المثل القائل بأن "المُنْخُل الجديد له شدة". أما أن يكون أول شىء يفعله بعد إسلامه هو شرب أم الخبائث فمعناه أن أول القصيدة كفر. أليس كذلك؟ والحمد لله أنه لم يستجب لدعوة الحسين بن فالح، ولا أدرى لم سمته الكاتبة بـ"فالح"، وليس بفالح ولا مفلح ولا له من الفلاح أى نصيب، إلى التردد معه على بيوت الدعارة، الموهومة مثل القرامطة سواء بسواء، وإلا لكانت الليلة من أولها إلى آخرها زفتا وقَطِرانا. وبالمناسبة فإن الرجل لم يستفد من الإسلام ولم يستفد منه الإسلام للأسف الشديد، فضلا عن أنه انتهى فى خاتمة المطاف إلى رجل درويش يجوب الطرقات دون عمل أو هدف متعرضا لمضايقات السابلة وأذاهم. أهذا هو الإسلام التى حرصت الرواية على أن يعتنقه بطلها؟ يا للهول!

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير