تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وفى ص67 نجد كلاما كثيرا عن البرابى والهياكل والعقائد. وواضح أن المقصود هو تقديم الكاتبة للمعلومات التى قرأتها فى مراجع الرواية، فهى تنتهز كل فرصة ولأدنى ملابسة لإفراغ شحنتها من المعلومات، وكأن بدير الراوى مرشد سياحى يعطى السواح ما يحتاجونه من معلومات عما يزوره معهم من آثار. ذلك أن الراوى يزور بربا أتريب مع ثاونا أثناء رحلتهما من قصر الشمع إلى مستنقعات البشموريين حاملين رسالة من أب الدير إلى المتمرد البشمورى يحاول فيها أن يرده إلى صوابه ونبذ تمرده على الدولة وتعريض الناس للمتاعب والمصاعب، فينتهز هذه الزيارة ليتحدث بشىء من الاستفاضة عن الأعمدة والتيجان والنقوش والتصاوير والأشكال والهياكل فى برابى برية أتريب وما يرتبط بها من عقائد، ولا يكاد يترك شيئا دون أن يصفه ويجسده لنا تجسيدا رغم أنه لا صلة بينه وبين عناصر الرواية الأخرى، إذ ما إن ندير ظهرنا له حتى ننساه فلا نعود نتذكره.

ومثل ذلك ما نجده فى صفحة 229 من تفاصيل كثيرة جدا عن الفروق بين المذاهب النصرانية واختلاف أسلوب قبول التوبة من العائدين إلى الكنيسة لا لزوم لها فى الرواية، لكنها تدل على غرام الكاتبة بالحديث عن النصرانية وتقديمها للقارئ بكل سبيل مع أنها كلها زوائد تثقل حركة الرواية وتضيع حرارتها. ونفس الشىء يقال عن التفصيلات الخاصة بأسوار بغداد، تلك التفصيلات التى لا تقدم ولا تؤخر فى الرواية وتطورها، بل ولا يستطيع الذهن أن يتصورها (ص267)، وكذلك التفصيلات المتعلقة بالمذاهب والديانات من معتزلة ومتصوفة وشُكّاك وثنوية وصابئة (ص307 - 308).

إن الرواية هنا لتتحول إلى ما يشبه كتاب "علم الدين" لعلى مبارك، أى كتابا يحتوى على معلومات علمية مهمة يرى مؤلفه أن من واجبه شحنه بها كى يقرأها الجمهور ويلموا بها رغم أنها لا تقدم ولا تؤخر من الناحية الفنية فى الرواية فى قليل أو كثير. وقد غبر زمن على الرواية العربية فى بدايات عصر النهضة كان مؤلفوها يهتمون أشد الاهتمام بتضمينها معلومات صحية وطبية وتاريخية وتوجيهات أخلاقية واجتماعية ودينية ... ومن هنا انتشر فى كتب تاريخ الرواية عندنا مصطلح "الرواية التعليمية". وكان من النقاد من يثنون على هذا الضرب من الروايات أيما ثناء، إذ كان العنصر التعليمى هو الذى يشغلهم فى المقام الأول (يمكن القارئ أن يراجع فى هذه النقطة الفصل الذى عنوانه: "موقف الأدباء والنقاد من فن القصة" فى الباب الأول من كتابى: "نقد القصة فى مصر: 1888 - 1980م").

هذا، وقد تكررت فى الرواية بعض المصطلحات الكنسية التى كان الراوى يوردها عادة دون شرح أو يشرحها شرحا موجزا لا يفيد كثيرا، وهو ما أرى أنه بحاجة ماسة إلى توضيح حتى يفهم القارئ معانى تلك المصطلحات ولا يشعر بالضيق لجهله بها. وقد كان بمكنة المؤلفة أن تحتال على شرحها بطريقة فنية كأن تقول مثلا فى "المطانية": "وأديت له مطانية فسجدت أمامه على سبيل الاحترام والخشوع" حتى لا تُضْطَرّ إلى إضافة هوامش لا تناسب العمل الروائى، بل يأتى الشرح طبيعيا فى أثناء الكلام كأنه جزء منه فلا يشعر القارئ بشىء من الشذوذ أو التكلف يفسد عليه جو العمل الذى يعيش فيه ويتصوره عالما حقيقيا. وبالمناسبة فلم يحدث قط أن طلب المسيح عليه السلام من تلاميذه ولا فكر أحد منهم من تلقاء نفسه أن يسجد أو يركع له. والأناجيل موجودة لمن يحب أن يتقصى الأمر ويتحقق منه بنفسه. والآن إلى ما تنبهت له من تلك الألفاظ، التى اعتمدت فى شرحها على "قاموس الكنيسة" الآنف الذكر، مع إيراد ما يحتاجه القارئ فقط من كل مادة، إلى جانب التصحيح اللغوى لعبارة المحرر تجنبا لما فيها من ركاكة. وقد رتبتها ألفبائيا: فـ"أَبُ الدير" هو رئيسه الذى يهتم بالرهبان، وقد تتم رسامته أسقفا. و"الأب الروحى" هو المرشد الذي يختاره الشخص بخلاف أب الاعتراف. وقد يكون هو نفسه أب الاعتراف أيضا. ويهتم الأب الروحي بأولاده وتربيتهم. و"الأجبية": كلمة قبطية معناها ساعة زمنية، ويقصد بها الكتاب الذي يحوى صلوات السواعي: باكر والثالثة والسادسة والتاسعة والغروب والنوم والستار الخاصة بالرهبان ونصف الليل. وهو عبارة عن مجموعة مختارة من مزامير داود النبى، ويسمى أيضا: كتاب الصلوات السبع. و"الأرْخُن" (ج: أراخنة) هى كلمة يونانية معناها: "حاكم، قائد، آمِر، رئيس،

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير