تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وفي سبيلك وحدك نرجو أن تكتب لنا الشهادة يا ألله»

وكأن الله قد استجاب لها دعائها.

فبعد رحلة طويلة من العناء والسفر ومغادرة الأوطان، والتشريد في البلدان الأجنبية، طيلة سبعة عشر عامًا من الأحزان والآلام، ومعاناة الغربة و تجرُّع الأحزان والأسقام، استقرَّ المقام بالمجاهدة بنان وزوجها في مدينة (آخن) الألمانية، بعد أن مَنَعتْه السلطات السورية من دخول أراضيها!

وهناك كان قد صدرتْ الأوامر الظالمة الجائرة – من قِبَل المخابرات السورية - بتصفية جسد المجاهد الصابر عصام العطار!

فخرج ثلاثة من المجرمين الآثمين يقتفون أَثَره في أرجاء مدينة: (آخن) الألمانية، وجعلوا يبحثون عنه في كل مكان!

وكانت السلطات الألمانية قد جاءتها الأخبار بأن هناك جماعة من المُسَلَّحين يتربَّصون للسيد عصام ويريدون إراقة دمه بأي وسيلة!

فأسرعتْ تلك السلطات بتنبيه السيد عصام إلى هذا المكر الذي يكاد يحيق به وهو لا يدري! فكانتْ تأمره بالترحال والتنقُّل عبَرَ البلدان الألمانية في كل وقت! حتى لا تلحقه تلك الأيادي الباطشة التي لا تجد لذتها إلا في إزهاق أرواح الأبرياء!

يقول السيد عصام العطار: (عندما فُرِضَ عليَّ فَرْضاً مِنْ سُلُطاتٍ ألمانية ألاّ أستقرَّ في مكان، فهناك -كما قالوا- قَتَلةٌ مُسَلَّحون يقتفون أثري، ويريدون قتلي، فيجب أن يتغيّر عنواني وسَكَني باستمرار ..

قلت لهم:

دعوني أُقْتَل فأنا لا أخافُ القتلَ، ولا أرهبُ الموت، ولا أُحَمِّلُكُم ولا أُحَمِّلُ أحداً غيري مسؤولية ما يصيبني!

قالوا:

إنّ وجودك في مكانٍ دائم يُهَدِّدُ حياةَ غيرك من السُّكّان وينشُرُ القلقَ والفزع في الشارع الذي تسكن فيه، ويصنع كذا وكذا وكذا من الأخطار والأضرار، فلا بدّ لك -كما طلبنا - من تغيير عنوانك وسكنك باستمرار!

وجمعتُ أوراقاً مهمةً لي، أثيرةً عندي، ومن أهمّها رسائل أم أيمن القديمة والحديثة، ووضعتُها مع المصحف الشريف في حقيبة خاصّة، وأسلمت نفسي لقضاء الله وقدره.

سَنَةٌ ونصفُ السنة، لا يكادُ يستقرُّ جنبي في بلد أو سَكَن حتى يُقالَ لي: إرحلْ فقد عُرِفَ مكانك! إرحلْ .. إرحلْ .. إرحلْ

وفي هذا الرحيل المتواصل في الصيف وفي الشتاء، وفي الربيع والخريف، بين مدنٍ وقُرىً، وفنادقَ ومنازلَ منقطعة عن العمران، يباعد بعضَها عن بعضٍ أحياناً مئاتُ الكيلومترات، وأنا مُتعَبٌ مُرْهَقٌ مَريضٌ مَريض ... ).

قلت: وكان السيد عصام في هذه الأوقات يترك زوجته: (بنان) وحيدة في بيتها! غريبة في غير أوطانها! يتألَّم قلبها في لحظة! وينزف كبدها في كل ساعة!

وهي لا تفتأ أبدًا عن قراءة كتاب الله، والاستغاثة به في كشف تلك النكبات التي أُصِيبتْ بها وزوجها.

وكان السيد عصام يتفقد أخبارها حسبما تيسَّر له ذلك عن طريق المراسلة ونحوها.

لكنه لم يكن يخطر على باله وبال مؤمن: أن هؤلاء المجرمين الذين يتعقبونه إذا لم يعثروا عليه في بيت زوجته، فإنهم سوف يشفون غيظهم بتصْفية جسد زوجته بنان! تلك المرأة الضعيفة الوحيدة دون أن يكون لها ناصر سوى رب العالمين وحده.

وحدث ما لم يكن في حُسْبان أحد إلا حُسْبان الشيطان!

ففي يوم الخميس: (17/ 3/1981مـ) الموافق لعام ألف وأربعمائة وواحد للهجرة النبوية: (1401هـ)

جاء موعد السماء مع الأم المجاهدة، والداعية الراشدة: (بَنَان الطنطاوي).

فقد جاءت الأخبار المشئومة إلى هؤلاء المجرمين بأن عصام العطار ربما كان مختبأً في بيت زوجته (بنان الطنطاوي).

فأسرع هؤلاء السفَّاكون للدماء إلى ذلك البيت المتواضع الواقع في شارع «هِرِسْتالَر» الذي تقيم فيه بنان وحيدة بلا أهل ولا زوج!

وقاموا باقتحام منزل جارتها المسكينة، وأجبروها على الاتصال هاتفيًا بالمجاهدة بنان، تخبرها أنها آتية إليها لتجالسها بعض الوقت، وتُؤانسها وحْدتها!

وسَرَعَان ما سمعَتْ بنانُ دقَّاتِ الباب تضرب في سمعها، فقامت كي تفتح الباب وتستقبل جارتها، ولم تكن تعلم أن الموت ينتظرها خلف هذا الباب، وأن الوعد الحق إذا نزل فُتِّحَتْ له الأبواب!

ولم تكن تدري أن جنات الخلد قد ازَّيَّنَتْ لها – إن شاء الله – وتعطَّرتْ.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير