أو أن مَثَلي كمَثَل المعمول الذي بعد العهد بعامله، وتعذر أن يكون بجانبه، وإذ بعد العهد بالعامل اقتضت البلاغة تكريره، ليكون مع المعمول كقول الشاعر:
لقد علم الحي اليمانون أنني****إذا قلت أما بعد أنِّي خطيبها
فلو أنه لم يُكرِّر العامل (أنِّي)، وقال: أنني – إذا قلت أما بعد – خطيبُها – لكان بعيدًا عن سبيل البيان والفصاحة، مجافيًا لنهج البلاغة والملاحة، لأن المعمول عندئذ يكون كالأجنبي الذي لا علاقة له بما قبله من الكلام، أو كالمجهول المنظور إليه بعين الاستيحاش والملام.
ولو قال من أول الأمر: لقد علم الحي اليمانون أنني خطيبها، لما بعد العهد بالعامل، وكان الكلام حسنًا مقبولاً، فالفصل بين العامل والمعمول بكلام طويل يستدعي أحد أمرين: إما أن يكرر العامل بعد الفاصل، وإما أن يُنقَل المعمول فيُذكَر بجنب العامل.
ومثل تكرير العامل لبعد العهد به تكرير الرابط، وهو الفاء في قول الشاعر:
لا تجزعي إن منفسًا أهلكته****وإذا هلكتُ فعند ذلك فاجزعي
فلو أنه لم يكرر الفاء وقال: فعند ذلك اجزعي، لما كان في الحسن والملاحة كما وجدناه مع تكرير الفاء، لأن جواب الشرط هو الفعل (اجزعي) وهو أولى بالفاء من الظرف المتعلق به وهو (عند ذلك)، ولكن الظرف وقع في صدر جملة الجواب فحسن دخول الفاء عليه، ولم يُسقِط ذلك استحقاقَ الفعل للفاء، فأدخلَ الشاعر الفاءَ على الفعل أيضًا إشعارًا بأنه المستحق الأصلي، ولو أن الفعل وقع في صدر جملة الجواب لدخلت عليه الفاء، وامتنع دخولها على الظرف بعده، فلا يحسن أن يقال: وإذا هلكت فاجزعي فعند ذلك. فالذي دعا إلى تكرير الفاء هنا أمران بعد العهد بصدر جملة الجواب، واستحقاق الفعل دخول الفاء بالأصالة.
ولا يضير (الجهة المسؤولة) ـ وفقها الله ـ أن ترجعني إلى كلية التربية بمكة المكرمة بعد أن نقلتني إلى كلية التربية بعنيزة، دون أن يتغير الوضع في كلية مكة، فإن العرب ربما غيّرت كلامها لأمر ما، ثم إنها ترجع إلى أصل كلامها مع إبقاء حال التغيير، وذلك أنهم يقولون: اجتمع أهل اليمامة، ثم يحذفون الأهل للتخفيف، ويؤنثون الفعل لإسناده إلى اليمامة، فيقولون: اجتمعت اليمامةُ، ثم إنهم يرجعون إلى أصل كلامهم، ويعيدون المحذوف مع إبقاء التأنيث فيقولون: اجتمعتْ أهلُ اليمامة، وكذلك يفعلون في الترخيم، حيث يقولون في ترخيم (طلحة): يا طلحَ، على لغة من ينتظر بفتح الحاء، ثم إنهم يرجعون التاء التي حذفت في الترخيم، ويضعونها بين الحاء والفتحة، فيقولون: يا طلحةَ، بفتح التاء كما قال النابغة:
كليني لهم يا أميمةَ ناصب****وليل أقاسيه بطيء الكواكب
ففتح التاء من أميمة إبقاءً للفتح الذي اقتضاه الترخيم أولاً.
وكذلك فعلوا في مثل قولهم: يا تيمَ تيمَ عديّ، فقد قالوا في الأصل: يا تيمُ تيمَ عدي بضم (تيم) الأول ونصب الثاني، ثم إنهم حذفوا (تيمًا) الثاني اكتفاء بالأول، فنصبوا الأول لأنه أصبح مضافًا، فقالوا: يا تيمَ عديّ، ثم أعادوا (تيمًا) المحذوف، وأبقوا الأول على حاله منصوبًا، فقالوا: يا تيمَ تيمَ عديّ.
فلا يضير (الجهة المسؤولة) ـ أعزّها الله ـ أن تعيدني إلى كلية التربية بمكة المكرمة متأسية بما تنحوه العرب في بعض كلامها. وفّق الله (الجهة المسؤولة) لما يحبّ ويرضى، وأعانها على أداء مهامّها الكبرى. (تم)
والمأمول من أهل الفصيح وزائريه ألا يحرموني من صالح دعائهم، لعل دعوة توافق ساعة قبول، فيفرج الله عني هذا الكرب، ويجعل لي من أمري هذا يسرا ومخرجا.
أخوكم أبو محمد
ـ[أبو ذكرى]ــــــــ[16 - 03 - 2006, 06:10 ص]ـ
مبدع في حلك وترحالك، والفصيح بأمس الحاجة إليك، وحاجتنا إليك أشد من حاجة كلية التربية بمكة المكرمة.
لا تنس أخي الحبيب أن دعاء المسافر مستجاب.
ولن ننسى أن دعاء الأخ لأخيه بظهر الغيب أرجى للقبول.
ـ[د. بهاء الدين عبد الرحمن]ــــــــ[16 - 03 - 2006, 04:55 م]ـ
أخي الحبيب أبا ذكرى حفظه الله
أشكرك على حسن ظنك، وأدعو الله أن يجعل التوفيق والتسديد ملازمين لك في كل أمورك، كما أدعوه أن يفرج الكرب الذي أمسيت فيه، لعلي أعود للفصيح بانتظام.
ـ[أنا البحر]ــــــــ[18 - 03 - 2006, 11:47 ص]ـ
أستاذنا الأغر:
يسر الله أمرك وكشف كربك, وجعل لك من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا.
ـ[د. بهاء الدين عبد الرحمن]ــــــــ[18 - 03 - 2006, 11:25 م]ـ
آمين ... وباعد الله بينكم وبين الكروب والهموم، وجزاكم عني خير الجزاء.
ـ[معالي]ــــــــ[19 - 03 - 2006, 12:57 ص]ـ
السلام عليكم
كنتُ أتساءل عن العديد من مبدعي الفصيح الذبن غادروه اضطرارًا أو اختيارًا
ولا شك أن الأستاذ الكبير الأغر أحدهم ..
حيا الله عودتك أستاذنا الفاضل
والحق أنها عودة متميزة بما حملتموه لنا من هذا الطلب النحوي الظريف، بحق أبدعت كما أبدع المعري في رسالته تلك التي اطلعتُ عليها بعد إشارة أستاذي الكبير الدكتور بهاء عبدالرحمن _وفقه الله_ إليها في دراسة له نُشرت بمجلة كلية البنات السنوية ..
والطريف أن الدكتور بهاء هو الآخر قد نُقل رغم حاجة كليتنا إليه، والله المستعان!!
أسأل العلي العظيم رب العرش الكريم أن يكشف كربتك، وييسر أمر نقلك عاجلا غير آجل، وأن يكتب لك ما فيه الخير والفلاح بإذن الله ..
وأجد في قول الأستاذ الفاضل أبي ذكرى غنى عن قول المزيد:
لا تنس أخي الحبيب أن دعاء المسافر مستجاب.
ولن ننسى أن دعاء الأخ لأخيه بظهر الغيب أرجى للقبول.
¥