تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

المخالف في هذه المسألة، فإن أهل السنة أثبتوا الصفة، وهي العين، وأثبتوا لازمها وهو الحفظ والرعاية، فأشبه هذا القول قول الحبيب لحبيبه، ولله المثل الأعلى، "أنت في عيني"، فهل يفهم المحبوب من ذلك أنه حال مستقر في عين حبيبه؟، أم أنه يفهم لازم هذا الكلام، وهو عناية حبيبه به، وفي نفس الوقت لا يستطيع إنكار صفة العين لحبيبه، فيكون قد أثبت الصفة واللازم، في نفس الوقت، فكذا الحال في صفة العين لله، عز وجل، مع فارق بالغ الأهمية، وهو أن عين الحبيب مشاهدة محسوسة، وأما عين الله، عز وجل، فغيب، لا يدرك كنهها إلا الباري، عز وجل، ولا يعني ذلك أنها بلا كيفية، بل لها كيفية لا تدركها عقولنا، فنكتفي بإثبات المعنى المتصور من كلام العرب، ونكف عن البحث في الكيفية، وبهذا تتلاقى كل خيوط المسألة، فتفهم الكلمة في سياقها، ويجرى النص على ظاهره، مع إثبات الأصل واللازم وفق مذهب أهل السنة والجماعة في مسائل الأسماء والصفات.

وأما منهج المؤولة فإنه لا يثبت إلا اللازم فقط، وينفي أصل الصفة، فيقر بأن المعنى هنا الحفظ والعناية، وأما العين فهي "مجاز" عنه، ولأجل ذلك أنكر المجاز في القرآن من أنكر، لأنه أصبح ذريعة لتأويل الصفات، ولو أنهم نظروا، كما تقدم، في سياق الكلام بأكمله، لما وقعوا في هذه الشبهة، والله أعلم.

وما قيل في هذه الآية يقال في بقية الآيات التي قد تشكل على القارئ، للوهلة الأولى، كقوله تعالى: (واصنع الفلك بأعيننا)، فالمعنى بحفظنا ورعايتنا، مع إثبات أصل الصفة، ولا يعقل أن يكون المعنى: بداخل أعيينا.

وقوله تعالى: (فإنك بأعيننا)، أي في حفظنا ورعايتنا، مع إثبات أصل الصفة، ولا يعقل أن يكون المعنى: فإنك حال بأعيننا.

وقوله تعالى: (تجري بأعيننا)، أي بحفظنا ورعايتنا، مع إثبات أصل الصفة، ولا يعقل أن يكون المعنى: أن السفينة تجري في عين الله، عز وجل، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.

وهكذا ........

وهذا مما امتازت به اللغة العربية، فالدلائل المصاحبة للألفاظ، تلعب دورا مهما في تحديد المعاني، بل إن هذه القرائن قد تظهر من نبرة صوت المتكلم، كمن يرى ولدا يرتكب خطأ ما، فيقول له زاجرا: "يا ولد"، ومن يرى متقنا لأمر ما، فيقول له بصيغة التعجب، كما عندنا في مصر: "يا ولد"، فالكلمة واحدة، ولكن القرينة الصوتية جعلت الأولى في مقام الذم والثانية في مقام المدح، وعلوم الصوتيات مما تفوق فيه العرب، أصحاب أعظم لسان، على غيرهم من أصحاب اللغات الأخرى، ثم خطا الغرب، في هذا العلم خطوات كبيرة، بناء على أصول علماء المسلمين، مع ما توافر لهم من تقنيات حديثة، فسبقونا، كالعادة بجدهم وأخذهم بأسباب الدنيا، وبكسلنا وتركنا للأسباب، رغم أننا الأصل وهم الفرع، فعلوم الصوتيات لها حيز كبير في علم التجويد، وهو من أقدم العلوم الإسلامية، التي عرفها المسلمون قبل أن يعرف الغرب، ما هي علوم الصوتيات أصلا.

مستفاد من كلام الشيخ الدكتور عبد السلام عبد الكريم، حفظه الله، وهو أحد أساتذة العقيدة عندنا في مصر، وله عناية كبيرة بمصنفات شيخ الإسلام رحمه الله.

بل إن النحويين لا يعتبرون الكلام، وإن كان مركبا، كلاما من جهة النحو، حتى يفيد معنى، ويطلقون عليه إذا كان أكثر من كلمتين مع عدم إفادته لأي معنى، يطلقون عليه لفظ "كلم"، كقولك: إذا حضر محمد، فالمعنى غير تام، وعليه لا يمكن وصف كلمات هذا التركيب بأنها مبنية أو معربة، فلا ينظر في الإعراب حتى يكتمل المعنى، لأن الإعراب فرع المعنى، ولا يتم الفرع حتى يتم الأصل، فالإعراب والبناء حكمان من أحكام التراكيب لا الألفاظ المجردة، كما ادعى ابن الحاجب، رحمه الله، ولعل إمامته في الأصول، وهو صاحب المختصر الشهير لكتاب "الإحكام" لسيف الدين الآمدي الشافعي، رحمه الله، والذي عرف بعد ذلك بـ "مختصر ابن الحاجب"، لعلها قد أثرت في قوله هذا، لأن فيه إعمالا للعقل البحت، كما تقدم، وعلم الأصول علم يعتمد على الاستنباطات العقلية بشكل كبير، والله أعلم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير