تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وصحة الاستدلال، أي وجه دلالة النص على مدلوله، وهو ما يقع فيه الخلاف فيتميز به أهل الحق عمن سواهم، كما أشار إلى ذلك شيخ الإسلام، رحمه الله، والله أعلم.

الثاني: التبعيض، ومنه قوله تعالى: (منهم من كلم الله)، أي كلم الله، عز وجل، بعضهم، وعلامتها إمكان سد "بعض" مسدها كقراءة ابن مسعود رضي الله عنه: (حتى تنفقوا بعض ما تحبون)، وهذا الاستعمال من أشهر استعمالاتها.

الثالث: بيان الجنس، وكثيرا ما تقع بعد "ما" و "مهما"، وهما بها أولى، لإفراط إبهامهما. اهـ، والمقصود هنا بيان الجنس، والجنس عام يدخل تحته أنواع متعددة، فناسب إبهامه من جهة عدم تعيينه لكثرة أنواعه، ناسب إبهام "ما" و "مهما"، والله أعلم.

ومن ذلك:

قوله تعالى: (ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها)، أي ما يفتح الله للناس من جنس الرحمة، فسبقت بـ "ما"، الدالة على الإبهام، أي: ما يفتح الله للناس من أي رحمة فلا ممسك لها، والله أعلم.

وقوله تعالى: (ما ننسخ من آية)، أي من جنس الآيات الشرعية لا آية بعينها.

وقوله تعالى: (مهما تأتنا به من آية)، أي من جنس المعجزات لا معجزة بذاتها.

ومن وقوعهما بعد غي "ما" و "مهما":

قوله تعالى: (يحلون فيها أساور من ذهب ويلبسون ثيابا خضرا من سندس وإستبرق)، أي يحلون فيها أساور من جنس الذهب، ويلبسون ثيابا خضرا قماشها من جنس السندس والإستبرق.

وقوله تعالى: (فاجتنبوا الرجس من الأوثان)، أي: فاجتنبوا جنس الأوثان كله، لا الأوثان التي تتصف بالرجس دون التي لا تتصف به، فكلها موصوفة بالرجس، والله أعلم.

يقول ابن هشام رحمه الله:

وفي كتاب المصاحف لابن الأنباري، رحمه الله، أن بعض الزنادقة تمسك بقوله تعالى: (وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة)، في الطعن على بعض الصحابة، رضي الله عنهم، والحق أن من فيها للتبيين لا التبعيض، أي الذين آمنوا هم هؤلاء، ومثله قوله تعالى: (الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم)، وكلهم محسن ومتق، وقوله تعالى: (وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم)، فالمقول فيهم ذلك كلهم كفار. اهـ

أي أنه ليس في الآيات السابقة، مفهوم مخالفة، فلا يقال: وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة لها مفهوم مخالفة: ومن لم يؤمن منهم ويعمل الصالحات فليس له نصيب في هذا الوعد، إذ كيف يسوغ ذلك في حق آحاد المؤمنين الصادقين فضلا عن صفوة البشر بعد الأنبياء والمرسلين، عليهم الصلاة والسلام، وإنما المقصود وعد الله جنسهم أي كلهم لأن جنسية "من" تفيد، كما سبق، العموم بدخول أنواع كثيرة تحتها، والله أعلم.

رابعا: التعليل، ومنه قوله تعالى: (مما خطيئاتهم أغرقوا)، أي بسبب خطيئاتهم أغرقوا.

ومنه قول الفرزدق في علي بن الحسين رحمه الله:

يغضي حياء ويغضى من مهابته ******* فما يكلم إلا حين يبتسم

أي يغضى بسبب مهابته.

ومنه قولك: هزلت من الجوع، أي بسبب الجوع.

خامسا: البدل، ومن ذلك:

قوله تعالى: (أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة)، أي: بدل الآخرة.

وقوله تعالى: (لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون)، أي: لجعلنا بدلكم ملائكة في الأرض يمشون.

وقوله تعالى: (لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا)، أي: لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم بدل طاعة الله أو بدل رحمة الله شيئا.

ومنه قول أبي نخيلة:

جارية لم تأكل المرققا ******* ولم تذق من البقول الفستقا

أي ولم تذق بدل البقول الفستق، كما أشار إلى ذلك ابن مالك، رحمه الله، أراد أنها بدوية لم تنعم برفاهية العيش في الحضر، وقال غيره: توهم الشاعر أن الفستق من البقول، وعليه تكون "من" عندهم للتبعيض.

وقال آخر يصف عاملي الزكاة بالجور:

أخذوا المخاض من الفصيل غلبة ******* ظلما، ويكتب للأمير أفيلا

أي: أخذوا المخاض بدل الفصيل ظلما وجورا، والأفيل: الصغير، لأنه يأفل بين الإبل، أي يغيب، وانتصاب أفيلا على الحكاية، لأنهم يكتبون: أدى فلان أفيلا.

سادسا: مرادفة "عن"، ومنه:

قوله تعالى: (فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله)، أي: عن ذكر الله.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير