تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وقوله تعالى: (ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور)، فاجتمع في هذه الآية: النفي بـ "ما" في شطرها الأول، والاستفهام بـ "هل" في شطرها الثاني، فـ "من" في الشطرين للتنصيص والتوكيد على العموم، والله أعلم.

وتقول: لا يقم من أحد، أي: أي أحد.

وزاد الفارسي الشرط، ومنه قول الشاعر:

ومهما تكن عند امرئ من خليقة ******* وإن خالها تخفى على الناس تعلم.

أي: ومهما تكن عند امرئ من أي خليقة يخفيها.

والثاني: تنكير مجرورها، كما في قوله تعالى: (ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت)، فـ "تفاوت" نكرة، وهذا واضح لأن النكرة تدل بأصل وضعها على العموم فإذا أضيفت عرفت كقولك: غلام زيد، وإذا وصفت خصصت كقولك: غلام صغير، والمقام مقام عموم، تنصيصا وتوكيدا فناسب أن يكون مجرور "من" الدالة عليه مفيدا للعموم بمادته، والله أعلم.

والثالث: كونه:

فاعلا، كما في قوله تعالى: (ما أتاهم من نذير)، فأصل الكلام: ما أتاهم نذير.

أو مفعولا به، كما في قوله تعالى: (وما أرسلنا قبلك من رسول)، فأصل الكلام: وما أرسلنا قبلك رسولا.

أو مبتدأ، كما في قوله تعالى: (وما من إله إلا إله واحد)، فأصل الكلام: وما إله إلا إله واحد.

بتصرف من "مذكرة في أصول الفقه"، للشيخ محمد الأمين الشنقيطي، رحمه الله، ص246،247.

ولذا فإننا عند الإعراب، نبقي الفاعل والمبتدأ مرفوعين بعلامة رفع مقدرة منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد، وكذا نبقي المفعول منصوبا بعلامة نصب مقدرة منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد، وواضح أن الزيادة هنا لا تعني الحشو، بمعناه الدارج لا الحشو عند النحويين فهو بمعنى الزيادة الاصطلاحية، فهي زيادة مفيدة نصت على العموم وأكدت عليه، كما سبق، وهذه معان مفيدة معتبرة في الكلام، والله أعلم.

بتصرف من "مغني اللبيب عن كتب الأعاريب" لابن هشام، رحمه الله، (1/ 331_335).

ومن هذا العرض الشيق لإمام العربية في زمانه، ابن هشام، رحمه الله، يتضح لنا مدى سعة هذه اللغة العظيمة في دلالات ألفاظها، فها هو لفظ واحد من ألفاظها مكون من حرفين من حروف المعجم يدل على 15 معنى تختلف تبعا لاختلاف السياق، فمن أراد النظر في نص ما لابد أن يحيط علما بدلالات ألفاظه ويختار منها ما ينسجم مع سياق الكلام لا أن يتعسف في اختيار دلالة لا يستقيم معها السياق جهلا أو تحكما، والله أعلم.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير