احتمال أن يكون هذا الأمر موجها من الناحية اللفظية للرسول صلى الله عليه وسلم والمقصود أمته، أي من شك من أمته في أمر نبوته ولما يرسخ الإيمان في قلبه، من كان حاله كهذه فليسأل أهل الكتاب: هل تجدون ذكر محمد صلى الله عليه وسلم في أناجيلكم، فإن أنصفوا، وهو أمر مستبعد، لأقروا بذلك، فمحمد صلى الله عليه وسلم مذكور عندهم باسمه ووصفه، حتى ذكر الشيخ عبد المجيد الزنداني، حفظه الله، (الشيخ اليمني المشهور باهتمامه بخطاب علماء الغرب بآيات الإعجاز)، ذكر أن الشيخ أحمد ديدات، رحمه الله، وهو من هو في منازلة قساوسة ورهبان النصارى، أطلعه على ذكر محمد صلى الله عليه وسلم باسمه في أناجيلهم المحرفة التي تطبعها المطابع الأمريكية في عصرنا الحاضر، فكيف لو كانت سالمة من التحريف؟!!!!!!.
فيكون هذا الخطاب موجها للأمة في شخص رسولها الكريم، صلى الله عليه وسلم، ونظيره قوله تعالى: (يَا أَيّهَا النَّبِيّ اِتَّقِ اللَّه وَلَا تُطِعْ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّه كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا)، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتقوى لا يتصور أن المقصود منه أنه مقصر في هذا الأمر، وإنما المقصود به أمر أمته بالتقوى، وقد يقال بأن المقصود: داوم على تقواك وأمر أمتك بها، وللأصوليين في ذلك مباحث مشهورة فيقولون: هل أمر النبي صلى الله عليه وسلم أمر لأمته وإن كان هو المخاطب فيدخلون في الحكم حكما لا لفظا فيكون الخطاب له ابتداء وأمته له تبع، أم يميز بين ما صدر بـ "قل" فيكون خارجا عنه باعتباره المبلغ، وما لم يصدر بـ "قل" فيكون داخلا فيه وأمته له تبع.
وهل الخطاب يشمل الأمة ابتداء دون قرينة وهو قول جماهير أهل العلم، أم لا يشملهم إلا بقرينة لأن اللفظ مفرد في الخطاب وهم جماعة، فإدخالهم في اللفظ المفرد صرف له عن ظاهره المفرد فيفتقر إلى قرينة، وهذا قول الشافعي، رحمه الله، والرأي الأول أرجح، ............... الخ. مذكرة أصول الفقه للشيخ محمد الأمين الشنقيطي، رحمه الله، ص194،
وعليه يمكن أن يقال في هذه الآية بأن: هذا الخطاب خاص بالرسول صلى الله عليه وسلم من جهة ابتداء الخطاب عام لأمته من جهة العمل، فهم الذين يتصور الشك من بعضهم لا هو، ولا يلزم من توجيه الخطاب له في الآية أنه داخل مع أمته في الحكم، فكأن هذا القول ينزل هذه الآية منزلة الآيات المصدرة بـ "قل"، على رأي من يقول بخروج الرسول صلى الله عليه وسلم عن حكمها، لأنه هو المبلغ لها، والله أعلم.
ويميل القرطبي، رحمه الله، في تفسيره إلى هذا الرأي الأخير فيقول:
الْخِطَاب لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُرَاد غَيْره , أَيْ لَسْت فِي شَكّ وَلَكِنْ غَيْرك شَكَّ. قَالَ أَبُو عُمَر مُحَمَّد بْن عَبْد الْوَاحِد الزَّاهِد: سَمِعْت الْإِمَامَيْنِ ثَعْلَبًا وَالْمُبَرِّد يَقُولَانِ: مَعْنَى " فَإِنْ كُنْت فِي شَكّ " أَيْ قُلْ يَا مُحَمَّد لِلْكَافِرِ فَإِنْ كُنْت فِي شَكّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْك
فهذا نص من إمامين من أئمة اللغة، وهذا ثاني استشهاد لغوي في هذه المداخلة، نص على أن الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمقصود غيره.
فمن كان شاكا توجه إليه الخطاب بـ:
فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ
أَيْ يَا عَابِد الْوَثَن إِنْ كُنْت فِي شَكّ مِنْ الْقُرْآن فَاسْأَلْ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ الْيَهُود , يَعْنِي عَبْد اللَّه بْن سَلَام وَأَمْثَاله ; لِأَنَّ عَبَدَة الْأَوْثَان كَانُوا يُقِرُّونَ لِلْيَهُودِ أَنَّهُمْ أَعْلَم مِنْهُمْ مِنْ أَجْل أَنَّهُمْ أَصْحَاب كِتَاب ; فَدَعَاهُمْ الرَّسُول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَنْ يَسْأَلُوا مَنْ يُقِرُّونَ بِأَنَّهُمْ أَعْلَم مِنْهُمْ , هَلْ يَبْعَث اللَّه بِرَسُولٍ مِنْ بَعْد مُوسَى.
ويواصل القرطبي، رحمه الله، فيقول:
¥