أما تلك التهمة القديمة الجديدة التي يتشدق بها نفر من المتشدقين وأدعياء الثقافة بأن اللغة العربية لغة متخلفة متحجرة، ولم تعد تواكب روح العصر، فتلك تهمة أشبه بكلمة حق يراد بها الباطل والضلال والاضلال، وذلك من زاويتين:
الأولى: أن اللغة العربية مرّت في أصعب امتحان عرف في تاريخ اللغات، عندما واجهت في الماضي (العصر العباسي) تحديات كبرى من الانفتاح الثقافي والمعرفي والفلسفي والعلمي والفكري الواسع العريض، وقد نجحت في الاختبار الصعب بامتياز مع مرتبة الشرف الأولى، وأثبتت انها لغة قادرة مقتدرة على التعبير عن أدق المعاني الفلسفية، ووضع مصطلحات دقيقة لمختلف العناصر العلمية، ومازالت لغات الغرب تشهد لها بذلك لما تحتفظ به من آلاف الكلمات من أصول عربية، وهي كلمات - لو أمعنا النظر فيها فسنجد أنها - لمصطلحات علمية وطبية وكيميائية وفلكية، ولعل في هذا النجاح الباهر أكبر دليل على تهافت هذه التهمة وردها الى نحور خصومها.
الثانية: أن بوادر التردي شبه الواقع في حياتنا اللغوية مرده الى التردي الحقيقي في حياة الأمة بأسرها، فالعيب فينا نحن، وليس في لغتنا وليس في سيبويه.
إن رفع لواء الدعوة الى تبسيط اللغة وتيسيرها مبدأ سليم، يتفق عليه الجميع، وقد قدم كثير من الباحثين تصوراتهم ومقترحاتهم في هذا الشأن على مدى ما يزيد على نصف قرن بعد التوسع في انتشار المدارس والجامعات، وللانصاف نذكر ما قام به ابراهيم مصطفى في كتابه (احياء النحو)، وكان أستاذاً في جامعة القاهرة، يدرس كتابه في الأربعينات، وما قام به الدكتور شوقي ضيف في كتابه عن النحو الذي حاز به جائزة الملك فيصل، ولعل المناهج المدرسية والجامعية تخلت كثيراً عن التفاصيل الدقيقة والخلافات بين أقطاب المدارس النحوية، وهي إذ تدرس للمتخصصين شذرات منها، فإنما تكون للتدريب وللوقوف على مظهر من مظاهر الأصول اللغوية والنحوية، وهذه هي التي سماها صاحب الكتاب المذكور (الأوهام)؟!!
لقد صبّ صاحب ذلك الكتاب جام غضبه على «الاشتقاق»، وهو يعلم عن مكر وسوء نيّة، وفساد طوية أن الاشتقاق في اللغة العربية هو العمود الأساسي، والرافعة الحقيقية لتجدد اللغة، ورحم الله الدكتور ابراهيم أنيس عندما دعا من أجل تنمية اللغة الى «ضرورة استكمال المادة المعجمية»، وبمعنى آخر: الى التوسع في الاشتقاق، فافهم يا هذا!!
ولكي تكون عملية التبسيط والتيسير سليمة فينبغي أن تبدأ من حيث انتهى سيبويه وغيره من أعلام اللغة، وهو ما فعله المخلصون من دعاة الاصلاح، ولا تبدأ من نقطة الهجوم والتهجم على سيبويه وأرباب اللغة ورموزها، حينئذ يكون للتبسيط ركائزه وللتيسير دعائمه، وتكون النيات صادقة والعزائم مخلصة والتوفيق رفيقاً حليفاً لكل مسعى من هذا القبيل.
كاتب وباحث فلسطيني
وللفائدة راجع الرابط التالي:
http://www.alraialaam.com/01-10-2002/ie5/special.htm
والله من وراء القصد
[
ـ[داوود أبازيد]ــــــــ[08 - 05 - 2006, 05:12 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أراني اليوم مضطراًّ لأنتصر لإمام النحاة سيبويه رحمه الله وأسكنه فسيح جنته، وذلك لما جرى في هذا الوضوع من كلام لا يليق بشأن هذا الرجل العظيم ولا داعي لذكره ألبتة، لماذا هذه الجناية على سيبويه؟!
والله من وراء القصد
عزيزنا أبا بشر .. السلام عليكم ورحمة الله .. وهل أساء أحدنا لا سمح الله لسيبويه؟. ثم هل تطرق أحدنا إلى الوصفية والتحليلية والبنيوية؟. ثم ما هذا الحديث عن الدعوات الصادقة للتجديد وكلها مشبوه؛ فلقد توقف مصطفى إبراهيم عن طبع كتابه الثاني اقتناعا بعدم جدوى الدعوة، وتراجع شوقي ضيف ومجمع القاهرة عن كل ما اتخذوه من قرارات كانت قد فرضت تحت سلطة القانون لا العلم .. ونحن لم نتطرق لشيء من هذا، فلا المرحوم محيي الدين عبد الحميد أساء لسيبويه، ولا يحق لأحد أن يمس سيبويه بسوء، وإن كان بشرا يصيب ويخطئ، ولن نقول كما يقول بعض السخفاء (نحن رجال وهم رجال) بل نقول نحن رجال وهم قمم شامخة .. لم يحدث ما يسيء، بالعكس، فإن إبراهيم مصطفى وأتباعه هم الذين أساؤوا .. وأما مقارنة ابن هشام بسيبويه فالمقصود في ثبات المصطلح وزوال معظم الخلاف، والعبارة ليست لأمثالي ولكنها لابن خلدون .. لم يتطرق أحدنا إلى أي مما ذكرت من الصفاء العرقي، ولسان الذي يلحدون إليه، وأمثال هذا، نحن لم نقله ولم نرم إليه، ولا أحد يزايد علينا في مكانة سيبويه، ألم أقل (وصاحب الأولى لا يلحق) من الذي أهان سيبويه أليس الذين قلت عنهم إنهم أرادوا التيسير؟. أليس صاحب جناية سيبويه وصاحب مات سيبويه يعيش النحو .. دعك من هذا يا رجل، فما إلى هذا رمينا، نحن نرمي من يرمي النحو وسيبويه، وإنك تنظر باحترام إلى ما قام به إبراهيم مصطفى وأتباعه، ولو عرفت ما أرادوا لما قلت هذا عنهم .. لقد طالب شوقي ضيف وحده بحذف ثمانية عشر بابا من أبواب النحو، وهو المعتدل، فكيف الحاقد؟.
سامحك الله يا أبا بشر فما كان هذا هو القصد .. والسلام ..
¥