مخلوق، وهذا قول واضح البطلان لأنه لا أزلي ولا أول مطلقا إلا الله، عز وجل.
وأهل السنة والجماعة، قد يجارون المتكلمين في استعمال بعض مصطلحاتهم لا سيما عند مناظرة القوم أو الرد عليهم، ومع ذلك يحررون مثل هذه الألفاظ تحريرا جيدا، فيقولون: فرق بين أن يوصف الله، عز وجل، بأنه "قديم"، لأن أسماء الله، عز وجل، وصفاته، توقيفية، على الراجح من أقوال أهل العلم، لا تعرف إلا بالدليل السمعي الصحيح، فما كان محدثا من الألفاظ لا يجوز إطلاقه كاسم أو وصف على الله، عز وجل، ولا نفيه، وإنما يتوقف فيه، لأننا لا نعلم من أسماء الله وصفاته، إلا ما علمنا، ولو نفيناه، بلا دليل، لكان ذلك تعديا على النصوص التي ما جاءت بنفيه أو إثباته، وهذا بطبيعة الحال في الصفات التي لا تحتمل معاني النقص، فأي صفة تحتمل معنى من معاني النقص لا يصح إطلاقها على الله، عز وجل، مطلقا.
فرق بين هذا وبين أن يخبر عن الله، عز وجل، بهذه المصطلحات، فيقول القائل: الله، عز وجل، يخبر عنه بالقدم، بمعنى الأزلية، ولا يوصف بأنه "قديم" وليس من أسمائه "القديم"، ويقال لمن أراد المعنى الصحيح بهذا المصطلح الحادث: أصبت المعنى وأخطأت اللفظ، فلا تعدل عن لفظ القرآن وهو هنا "الأول" إلى لفظ محدث وهو "القديم"، وهكذا في كل الصفات التي نطقت بها نصوص الكتاب والسنة، والله أعلم.
ويواصل شيخ الإسلام، رحمه الله، فيقول:
وكذلك لفظ "الكلمة" في لغة القرآن والحديث وسائر لغة العرب إنما يراد به الجملة التامة، كقوله صلى الله عليه وسلم: (كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم)، وقوله صلى الله عليه وسلم: (إن أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد: ألا كل شيء ما خلا الله باطل)، ومنه قوله تعالى: (كبرت كلمة تخرج من أفواههم، إن يقولون إلا كذبا)، وقوله تعالى: (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم)، وقوله تعالى: (وجعل كلمة الذين كفروا السفلى، وكلمة الله هي العليا)، وأمثال ذلك، ولا يوجد لفظ الكلام في لغة العرب إلا بهذا المعنى.
بل إن هذا قد يصح في لغتنا المعاصرة في بعض الصور كقولك: فلان ألقى اليوم كلمة طيبة، فلا يعقل أنه نطق بكلمة واحدة، بالمفهوم الاصطلاحي الحادث، وإنما المعنى أنه ألقى جملا متعددة في موضوع معين، والله أعلم.
ويواصل، رحمه الله، فيقول:
والنحاة اصطلحوا على أن يسموا الاسم وحده والفعل والحرف: كلمة، ثم يقول بعضهم: وقد يراد بالكلمة الكلام فيظن من اعتاد ذلك أن هذا هو لغة العرب.
وعلى هذا جرى ابن مالك، رحمه الله، في الألفية فقال:
واحده كلمة والقول عم ******* وكلمة بها كلام قد يؤم
أي واحد الكلام: كلمة، وقدي يراد بالكلمة: الكلام، يقول الشيخ محمد محيي الدين، رحمه الله، في "منحة الجليل" (1/ 15): (وتقدير البيت: ولفظ كلمة معنى الكلام قد يقصد بها، يعني أن لفظ الكلمة قيد يطلق ويقصد بها المعنى الذي يدل عليه لفظ الكلام، ومثال ذلك ما ذكر الشارح من أنهم قالوا "كلمة الإخلاص"، وقالوا "كلمة التوحيد" وأرادوا بهذين قولنا: لا إله إلا الله).
ويضرب شيخ الإسلام، رحمه الله، مثلا فقهيا فيقول:
(وكذلك لفظ "ذوي الأرحام" في الكتاب والسنة يراد به الأقارب من جهة الأبوين، فيدخل فيهم العصبة وذوو الفروض، وإن شمل ذلك من لا يرث بفرض ولا تعصيب، ثم صار ذلك في اصطلاح الفقهاء اسما لهؤلاء دون غيرهم، فيظن من لا يعرف إلا ذلك أن هذا هو المراد بهذا اللفظ في كلام الله ورسوله وكلام الصحابة ونظائر هذا كثيرة).
فلفظ "ذوي الأرحام" في القرآن والسنة يعم أي ذي رحم تلزمك صلته وإن لم يكن وارثا، بينما اصطلح الفقهاء على قصره على الوارثين دون غيرهم.
رسالة التوسل لسيخ الإسلام، رحمه الله، ص115_116.
ومن أشهر الأمثلة الفقهية على هذه المسألة:
ما روي عن عائشة رضي الله عنها: (كنا نحيض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نطهر فيأمرنا بقضاء الصيام ولا يأمرنا بقضاء الصلاة).
¥