فبعض الفقهاء يستدلون بالنص الأول على أن المرأة تنوي القضاء في الصيام لا الأداء، بمعنى أن صيامها بعد طهرها هو قضاء، بالمعنى الاصطلاحي، لما فاتها من الصيام، والقضاء الاصطلاحي هو: فعل العبادة بعد زمنها المقدر لها شرعا، فكأن وجوب الصيام قد انعقد في حقها ابتداء، ولكن لما منع منه مانع الحيض، وجب قضاؤه بعد زوال المانع، فنزلوها منزلة المريض، فالمريض قبل مرضه مأمور بالصيام فإذا ما مرض وشق عليه الصيام جاز له الفطر ثم يقضي ما عليه بعد برئه.
وخالف البعض الآخر وقال: لا نسلم بذلك، إذ كيف ينعقد الوجوب في حقها مع قيام المانع الذي لا يد لها فيه، فالأمر بالقضاء هنا محمول على الأداء: أي فعل العبادة في وقتها المحدد لها شرعا، فكأن وقت صيامها الواجب هو: وقت صيامها ما فاتها بعد زوال المانع، فيكون صيامها عندئذ أداء لا قضاء، وأما لفظ "القضاء" الوارد في الحديث فهو محمول على الأداء لا القضاء الاصطلاحي الحادث لأن العرب تستعمل القضاء بمعنى الأداء، وإلى هذا الخلاف أشار صاحب المراقي، رحمه الله، بقوله:
هل يجب الصوم على ذي العذر ******* كحائض وممرض وسفر
وجوبه في غير الأول رجح ******* وضعفه لديهمو وضح
أي أن وجوب الصوم على المريض والمسافر أرجح من وجوبه على الحائض، فوجوبه عليها ضعيف ضعفا واضحا، إذ كيف تؤمر، كما تقدم، بما قام مانعه بها؟!!، وقد ذكر ابن رشد الجد، رحمه الله، وهو من أئمة المالكية، أن هذا التفصيل هو الراجح في مذهب مالك رحمه الله.
بتصرف من مذكرة أصول الفقه للشيخ محمد الأمين الشنقيطي، رحمه الله، ص57_59.
وبهذا جاءت النصوص الشرعية كما في قوله تعالى: (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض)، أي: فإذا أديت صلاة الجمعة في وقتها المحدد لها شرعا فانتشروا في الأرض، ولا يتصور هنا أن يكون المعنى: فإذا قضيتم صلاة الجمعة بعد خروج وقتها فانتشروا في الأرض، لأن الأصل في الصلاة أداؤها في أوقاتها لا قضاؤها بعد خروج أوقاتها، فضلا عن أن صلاة الجمعة لا تقضى أصلا، فمن فاتته الجمعة أداها ظهرا، فهي توصف بالأداء ولا توصف بالقضاء، والله أعلم.
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[06 - 05 - 2006, 09:12 م]ـ
جزاكم الله خيرا
ولعل الصواب أن يقال (فائدة لغوية)
والله أعلم
ـ[مهاجر]ــــــــ[16 - 05 - 2006, 06:42 ص]ـ
وجزاك أيها الكريم
أعتذر عن التأخر في الرد، فلم أفطن لمداخلتك الكريمة إلا الآن فقط، ولعل قولك هو الأصح، والله أعلم
ـ[عبير نور اليقين]ــــــــ[18 - 05 - 2006, 12:21 م]ـ
استدراك:
فاتني تعليق على نافذة مهاجر في الصفحة السابقة، تخص رد ابن تيميه رحمه الله تعالى لكلام سيبويه، وإنكاره عليه عشر مسائل .. وأظنني ظفرت بواحدة ..
باب الإنكار فيما أعلم، مقصور عند شيخ الإسلام على القرآن الكريم .. وها أنا ذا أنقل واحدة. وهي قوله تعالى: ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشد على الرحمن عتيا. الآية في مريم. نقل الخليل حكاية أي، وخالف سيبوبه في ذلك وقال بالبناء .. وقد علق القرطبي على ذلك قائلا - ما معناه - وهو تخريج شذ فيه سيبويه وخالف فيه رأي الجمهور! فهل أرى لي نصيرا؟!
ـ[عنقود الزواهر]ــــــــ[18 - 05 - 2006, 06:12 م]ـ
:::
جزاك الله خيرا أخي الفاضل، فمثل هذا الكلام مما يكتب بالخناجر في النواظر، وابن تيمية ممن استحق وصف"شيخ الإسلام"، فهو البحر الذي لا تكدره الدلاء، وله وقفات لغوية ونحوية وبلاغية، وقد نقل عنه ابن هشام-فيما اذكر- نصا في شرح الشذور عن مسألة: " إن هذان لساحران"، وذكرها-أيضا- السيوطي في الأشباه، وقد طبعت تلك الرسالة أخيرا، وطبع له-أيضا- رسالة باسم" جواب عن لو" تحدث فيه عما اشتهر على لسان أهل البلاغة، مما يعد من المشكل، وهو قول عمر (رضي الله عنه): " نعم العبد صهيب ... ". وله-رحمه الله- كلام على الفرق بين مسألة الحمد، في الفتاوى، وهي من المسائل التي ناقش فيها بعض معاصريه، وكلامه في المجاز مشهور جدا. وأما ما يتعلق بعلم المعقول، فهو من المبرزين فيه، وكأنك تقرأ لرجل لا يعرف إلا الفلسفة والكلام، ومن طالع درء التعارض عرف ذلك، وقد وقفت في بعض المصنفات على ما يدل على أن له مؤلفا على محصل الرازي، لم أجد أحدا تكلم عنه، والله أسأل أن يغفر له ويرحمه ويجزيه عن أهل السنة والجماعة
¥