هذا، نعم أنا مقتنع بقول الأشموني في أن الفتحة استثقلت على الياء في (قواف) لأنها نائبة عن الكسرة، فكثيراما يقاس شيء على شيء فيكتسب منه حكمه، كما فعل سيبويه (رحمه الله تعالى) فقد قاس المنقوص على الصحيح فاكتسب الأول حكم الثاني في الصرف، نعم فأنا مقتنع بقول الأشموني كما أني متقتع بقول سيبويه كذلك غير أني - بعد معرفتي لقول سيبويه في هذه المسألة - لم يكن من حقي أن أخطئ أخي أبا طارق في إعرابه الأول إذ هو صحيح على مذهب سيبويه، وقد ذكر المذهبين السمين الحلبي في إعراب قوله تعالى: (ومن فوقهم غواش) حيث قال:
[ ... وغَواشٍ: جمع غاشية. وللنحاة في الجمع الذي على مفاعل إذا كان منقوصاً بقياسٍ خلافٌ: هل هو منصرف أو غير منصرف؟ فبعضهم قال: هو منصرفٌ لأنه قد زال [منه] صيغة منتهى الجموع فصار وزنُه وزن جَناح وقَذَال فانصرف. وقال الجمهور: هو ممنوع من الصرف، والتنوينُ تنوينُ عوض. واختُلِفَ في المُعَوَّض عنه ماذا؟ فالجمهور على أنه عوضٌ من الياء المحذوفة. وذهب المبرد إلى أنه عوضٌ من حركتها. والكسرُ ليس كسرَ إعراب، وهكذا جَوارٍ ومَوالٍ. وبعضهم يجرُّه بالفتحة قال:
- ولو كان عبدُ الله مولىً هجوتُه * ولكنَّ عبدَ اللِ مَوْلَى مَواليا
وقال آخر:
- قد عَجِبَتْ مني ومن يُعَيْلِيا * لَمَّا رَأَتْني خَلَقاً مُقْلَوْلِيا
وهذا الحكمُ ليس خاصاً بصيغة مَفاعل، بل كل غير منصرف إذا كان منقوصاً فحكمه حكم ما تقدم نحو: يُعَيْلٍ تصغير يَعْلى، ويَرْمٍ اسم رجل، وعليه قولُه: "ومن يُعَيْلِيا"، وبعضُ العرب يُعْرب "غواشٍ" ونحوه بالحركات على الحرف الذي قبل الياء المحذوفة فيقول: هؤلاء جوارٌ، وقرئ {وَمن فوقهم غواشٌ} برفع الشين وهي كقراءة عبد الله {وله الجوارُ} برفع الراء. وقد حرَّرْتُ هذه المسألةَ وما فيها من المذاهبِ واللغات في موضوعٍ غير هذا] ا هـ
لكن شرح الجرجاني لقول سيبويه (وذلَّك أنَّهم حذفوا الياء فخفّ عليهم فصار التنوين عوضاً) يخالف ما تذهب إليه من أن (التنوين في قاض عنده أيضا عوض عن الياء المحذوفة)، فكأن الجرجاني يخصص تنوين العوض لـ (المنقوص الوارد على صيغة منتهى الجموع في الرفع والجر) كما هو صريح قوله في ذلك.
لكن ليس شرحه لازماً لما يقوله سيبويه فمهوم كلام سيبويه أن هذا التنوين عوض عن كل من نوعي المنقوص. لعل الجرجاني أمعن النظر في قول سيبويه (فخفّ) إذ هذا يلائم ما هو ثقيل أصلاً مثل (المنقوص الوارد على صيغة منتهى الجموع) إذ لا ثقل في نحو "قاض" حتى يخفّ.
والنقطة الأخيرة، ماذا عن التنوين الأصلي لقاضٍ أين ذهب؟ فإن كان هذا مذهب سيبويه كما هو الظاهر من كلامه من أن التنوين في "قاضٍ" تنوين العوض فأين ذهب تنوين الصرف أو التمكين، وكيف نعلل ذلك تعليلاً صرفياًّ، فبين "قاضٍ" و"جوارٍ" فرق لا يخفى، فأصل "قاضٍ" قاضيٌ" بتنوين الصرف أو التمكين فاستثقلت الضمة (أو الكسرة في حالة الجر) على الياء فحذفت فالتقى الساكنان فحذفت الياء فالتنوين الباقي فيما يبدو هو عين التنوين الذي كان فيه في الأصل وهو تنوين الصرف، فكيف انقلب عوضاً، أما في "جوارٍ" فالأمر ظاهرٌ إذ تنوين الصرف فيه حذف لمنعه من الصرف (وذلك لثقل فيه) فبعد أن حذفت الياء (لعلة من العلل) زال الثقل فحل محلها تنوين العوض، أرجو الإفادة في هذه النقطة، وجزاك الله خيراً على إفادتي بمذهب سيبويه في المسألة، فأنا لك من الشاكرين
ـ[د. بهاء الدين عبد الرحمن]ــــــــ[20 - 05 - 2006, 02:19 ص]ـ
حياك الله أبا بشر وجعلك كأبي بشر في فقه العربية
الظاهر لي من كلام سيبويه أنه لا يفرق بين التنوين في قاض والتنوين في جوار، فكلاهما عوض عن الياء التي حذفت للتخفيف قبل لحاق التنوين، يعنى أن أصل قاض: قاضي، بالياء، حذفت الياء واكتفي بالكسرة كما في المعرف بأل في القاضِ، ثم عوض عن الياء بالتنوين فصار قاضٍ، والياء هذه تحذف في حالتي الرفع والجر، لذلك يعوض عنها في هاتين الحالتين، ولم يعوض في المعرف بأل لأن التنوين لا يجتمع مع أل، ولأن الاسم مع أل استطال فلا يحتاج إلى تعويض بخلاف المجرد الذي حذفت لامه فاحتاج للتعويض.
وكذلك جوار أصلها: جواري، حذفت الياء تخفيفا، فلما حذفت صار بمنزلة جناح كما نقلت عن السمين فاستحق الصرف، ثم عوض بالتنوين عن الياء كما في قاض.
ولكن الذي لم أفهمه أن عبد القاهر ذكر في المقتصد أن التنوين في جوار كالتنوين في زيد وأن هذا مذهب سيبويه. والذي أرجحه أنه تخليط من قبل النساخ أو المحقق. والله أعلم.
مع التحية الطيبة والتقدير.
ـ[أبو طارق]ــــــــ[25 - 06 - 2009, 03:05 م]ـ
رائعة من روائع الفصيح