تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

القول الثاني: كراهة خاتم الحديد دون تحريم، وهو قول جمهور أهل العلم، فالكراهة هو المعتمد عند المالكية لا التحريم كما صرح بذلك النفراوي في الفواكه الدواني في شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني، وتقدم قول الإمام مالك: (لم أزلْ أسمعُ أنَّ الحديدَ مكروهٌ فأما غيرُه فلا)، والكراهة هو المشهور في مذهب الإمام أحمد واختارها أكثر الأصحاب، بل نصَّ أصحابُ الموسوعة الفقهية الكويتية على أن هذا هو اتفاقٌ من الفقهاء، ولعلهم أرادوا المشهور من المذاهب الأربعة إذ نقلوا بعد ذلك تصريح النووي بالإباحة.

وللبيهقي رحمه الله تفصيل حسن في شعب الإيمان وتبعه عليه ابن حجر في الفتح، فقال البيهقي: (ويشبه أن يكون هذا النهي نهي كراهية وتنزيه، فكُرِه الخاتم من الشبه وقال: " أجد منك ريح الأصنام "، ولأن الأصنام كانت تُتَّخَذُ من الشَّبه، وكُرِهَ الخاتمُ من الحديد من أجل ريحه، وقال:" أرى عليك حلية أهل النار"، أنه زيّ بعض الكفار الذين هم أهل النار؛ والله أعلم، فقد رُوِّينا في الحديث الثابت عن سهل بن سعد رضي الله عنه: أن رسول الله قال للذي أراد أن يزوِّجَه: " التمس ولو خاتما من حديد " .... ثمَّ ذكر رحمه الله حديث المعيقيب، ثم قال: وهذا لأن بالفضة التي لويت عليه لا يوجد ريح الحديد فيشبه أن ترتفع الكراهية بذلك) ا. هـ من الشعب وهذا كلامه أيضا في كتابه الآداب، فتحصَّل من كلامه رحمه الله كراهية التختم بالحديد الخالص، وأن علة الكراهة هي ريحه، فحيث خُلِطَ الحديدُ بغيره وأُمِنَ النتن زالت الكراهة، وهذا التفصيل لا أظن القائلين بالكراهة يخرجون عنه.

القول الثالث: جواز لبس خاتم الحديد مطلقا دون كراهة ولا تفصيل، وأصحاب هذا القول إنما يضعفون أحاديث النهي، ويستدلون بأحاديث الجواز المتقدمة أو بعضها، قال ابن عبد البر في التمهيد: (وروى محمد بن عجلان عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن خاتم الذهب وخاتم الحديد، وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال في خاتم الذهب وخاتم الحديد: جمرة من نار، أو قال: حلية أهل النار، وقد روي مثلُ هذا مرفوعاً ولا يتصلُ عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن عمر، وليس بثابت، والأصل أن الأشياء على الإباحة حتى يثبت النهي؛ وهذا في كل شيء، إلا أن النهي عن التختم بالذهب صحيح ولا يُختلف في صحته) ا. هـ، وقال ابن رجب في رسالته أحكام الخواتم: (والصحيح عدم التحريم، فإن الأحاديث فيه لا تخلو عن مقال، وقد عارضها ما هو أثبت منها) ا. هـ، وقال النووي في شرحه على مسلم – في شرح حديث الواهبة نفسها -: (وفي هذا الحديث جوازُ اتخاذ خاتم الحديد، وفيه خلاف للسلف حكاه القاضي، ولأصحابنا في كراهته وجهان: أصحهما: لا يُكره لأن الحديث في النهي عنه ضعيف) ا. هـ، وكذا حكى النووي في المجموع القولين عن الشافعية في كراهته وعدم كراهته، ثم رجح عدم الكراهة.

قلت: والقول بالجواز مطلقاً هو قول أبي سعد المتولي في كتابه التتمة – كما ذكره النووي عنه – وهو ما مشى عليه متأخرو الشافعية في كتبهم بعد النووي رحمهم الله جميعا.

وممن نصَّ على الجواز اللجنة الدائمة للإفتاء (ج24/ 65)، والشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله في أشرطة نور على الدرب وحكم على أحاديث النهي بالشذوذ؛ فقال: (أما حديث أنه صلى الله عليه وسلم لما رأى على إنسان خاتم من حديد قال: (ما لي أرى عليك حلية أهل النار)، ولما رأى خاتم من صفر قال: (ما لي أرى عليك ريح الأصنام) فهما حديثان شاذان مخالفان لهذه الأحاديث الصحيحة، والشاذ عند أهل العلم يعتبر ضعيفاً لمخالفته الأدلة الشرعية) ا. هـ كلامه رحمه الله – يراجع موقع الشيخ الرسمي -، وممن قال بالجواز الشيخ ابن عثيمين في المتأخر من فتاويه إذ نص على الجواز؛ وكان قبل ذلك يرى الاحتياط في تركه.

رابعاً: الخلاصة والترجيح

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير