وأما القسم الثالث فالأصل أيضاً فيه الرد، على حسب التفصيل السابق كذلك، لكنه أقوى من الثاني.
· وهذا الحديث الذي معنا رواه عنه ثلاثة فيما وقفت عليه:
الأول: سفيان الثوري [16]:
وهو ممن سمع منه قديماً بلا خلاف كما تقدم في كلام يحيى بن سعيد القطان في أول الكلام على المسألة الثالثة.
الثاني: حماد بن سلمة [17]:
وقد تقدم ذكر الخلاف فيه بين الحفاظ، وأن الراجح فيه أنه سمع منه مرتين قبل الاختلاط وبعده.
الثالث: خالد بن عبد الله الطحان الواسطي [18]:
وهو ممن سمع منه بعد الاختلاط، كما تقدم في كلام الإمام أحمد.
لكن جاء في رواية حماد وخالد، زيادة: «يقاتلون أهل الفتنة»؛ وهذه الزيادة فيها نظر؛ لأنها لم تأت في رواية سفيان الثوري، وهو الذي سمع منه قبل الاختلاط، بخلافهما كما تقدم.
· وأما عبد الرحمن بن العلاء الحضرمي:
فليس بالمشهور، فقد ترجم له البخاري في (التاريخ الكبير) وسكت عنه.
ومثله أبو حاتم في (الجرح والتعديل)، وقد ذكره ابن حبان في (الثقات) على عادته في توثيق المجهولين.
وذكره بعضهم في الصحابة، كما فعل ابن منده وابن عبد البر، وتبعاً لهما ذكره ابن الأثير في (أسد الغابة).
والصواب: أنه ليس له صحبة؛ لعدم الدليل على ذلك، وإنما هو من التابعين، وهذا ما يفيده كلام البخاري وأبي حاتم، ويدل عليه الحديث الذي معنا.
وهو مُقلٌ؛ لأنهم لم يذكروا له إلا هذا الحديث الواحد، ويظهر أنه له مكانه ووجاهة؛ لأنه في بعض روايات هذا الحديث قال عطاء: «سمعت عبد الرحمن بن العلاء الحضرمي يخطب على منبر الكوفة ... ». أخرج هذه الرواية البخاري في (تاريخه).
وفي مسند مسدد بن مسرهد، ومن طريقه ابن عساكر قال: ثنا خالد ثنا عطاء بن السائب قال: سمعت عبد الرحمن الحضرمي أيام ابن الأشعث يخطب وهو يقول: يا أهل الشام أبشروا فإن فلاناً أخبرني أن رسول الله e قال: وذكر الحديث.
قال أبو البختري -مُنكِِراً على عبد الرحمن الحضرمي-: «أخطأت أستك الحفرة».
قلت: وخروج ابن الأشعث كان في زمن ولاية الحجاج على العراق، وكان ذلك سنة 81هـ[19].
وعبد الرحمن هذا قد يكون أبوه هو العلاء بن الحضرمي الصحابي الجليل، والله تعالى أعلم.
والخلاصة:
أنه ليس بالمشهور، ولذا قال الهيثمي في مجمع الزوائد (7/ 261): رجاله ثقات، وفيه عبد الرحمن لم أعرفه.
قلت: ولم أقف له على ترجمةٍ له عند ابن حجر في (تعجيل المنفعة) وهو على شرطه.
ومثل هذا الراوي يكون صالحاً لا بأس به، مع ما تقدم من كونه ليس بالمشهور.
والدليل على ذلك أمور:
1. أنه من التابعين، إما من كبارهم أو من الطبقة الوسطى منهم، واسم الستر والعدالة في التابعين أكثر ممن أتى بعدهم، ولذا كان من منهج بعض الحفاظ تقوية مثل هذا الصنف.
قال أبو عبد الله الذهبي: «وأما المجهولون من الرواة، فإن كان الرجلُ من كبار التابعين، أو أوساطهم احتُمِل حديثه وتُلُقّي بحسن الظن، إذا سَلِمَ من مخالفة الأصول وركاكة الألفاظ، وإن كان الرجل منهم من صغار التابعين، فيُتأنّى في رواية خبره، ويختلف ذلك باختلاف جلالة الراوي عنه وتحرّيه، وعدم ذلك» [20] ا. هـ
قلت: وهذا الذي ذكره الذهبي هنا، قد عمل به في بعض التراجم من كتابه (ميزان الاعتدال) بل نقل عن بعض كبار الأئمة من الحفاظ أنهم يسيرون على هذا المنهج في بعض الأحيان، وقد نص على هذا المعلّمي كما سيأتي.
وهذه بعض الأمثلة على ذلك:
§ ففي ترجمة: أسقع بن أسلع:
قال: «أسقع بن أسلع عن سمرة بن جندب: ما علمت روى عنه سوى سويد بن حجير الباهلي، وثقه -مع هذا- يحيى بن معين، فما كُلّ من لا يعرف ليس بحجة، لكن هذا الأصل» [21] ا. هـ
§ وفي ترجمة مالك بن الخير:
قال: «مصري، محله الصدق، يروي عن أبي قبيل ... روى عنه حيوة بن شريح -وهو من طبقته-وابن وهب وزيد بن الحباب ورشدين. قال ابن القطان: (هو ممن لم تثبت عدالته).
يريد أنه ما نص أحدٌ على أنه ثقة، وفي رواة (الصحيحين) عدد كثير ما علمنا أن أحداً نص على توثيقهم، والجمهور على أنه من كان من المشايخ قد روى عنه جماعة ولم يأت بما ينكر عليه أن حديثه صحيح» [22] اهـ
§ وفي ترجمة حفص بن بغيل:
¥