تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فهذا نحو مما حكي عن أبي داود، ولا عجب فإنه كان من تلامذة الإمام أحمد، فغير مستنكر أن يقول قوله، بل حكى النجم الطوفي عن العلامة تقي الدين ابن تيمية أنه قال: " اعتبرت مسند أحمد فوجدته موافقاً لشرط أبي داود ".

وقد أشار شيخنا في النوع الثالث والعشرين إلى شيء من هذا، ومن هنا يظهر ضعف طريقة من يحتج بكل ما سكت عليه أبو داود، فإنه يخرج أحاديث جماعة من الضعفاء في الاحتجاج ويسكت عنها، مثل: ابن لهيعة، وصالح مولى التوأمة، وعبد الله بن محمد بن عقيل، وموسى بن وردان، وسلمة بن الفضل، ودلهم بن صالح، وغيرهم.

فلا ينبغي للناقد أن يقلده في السكوت على أحاديثهم، ويتابعه في الاحتجاج بهم؛ بل طريقه أن ينظر هل لذلك الحديث متابع فيعتضد به، أو هو غريب فيتوقف فيه، ولاسيما إن كان مخالفاً لرواية من هو أوثق منه؛ فإنه ينحط إلى قبيل المنكر.

وقد يخرِّج لمن هو أضعف من هؤلاء بكثير: كالحارث بن وجيه، وصدقة الدقيقي، وعثمان بن واقد العمري، ومحمد بن عبد الرحمن البيلماني، وأبي جناب الكلبي، وسليمان بن أرقم، وإسحاق بن عبد الله بن أبي فروة، وأمثالهم من المتروكين.

وكذلك ما فيه من الأسانيد المنقطعة، وأحاديث المدلسين بالعنعنة، والأسانيد التي فيها من أبهمت أسماؤهم، فلا يتجه الحكم لأحاديث هؤلاء بالحسن من أجل سكوت أبي داود؛ لأن سكوته تارة يكون اكتفاء بما تقدم له من الكلام في ذلك الراوي في نفس كتابه، وتارة يكون لذهول منه، وتارة يكون لشدة وضوح ضعف ذلك الراوي واتفاق الأئمة على طرح روايته، كأبي الحويرث، ويحيى بن العلاء، وغيرهما. وتارة يكون من اختلاف الرواة عنه وهو الأكثر؛ فإن في رواية أبي الحسن ابن العبد عنه من الكلام على جماعة من الرواة والأسانيد ما ليس في رواية اللؤلؤي وإن كانت روايته أشهر، ومن أمثلة ذلك: ما رواه من طريق: الحارث بن وجيه، عن مالك بن دينار، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: حديث «إن تحت كل شعرة جنابة ... » الحديث، فإنه تكلَّم عليه في بعض الروايات، فقال: " هذا حديث ضعيف، والحارث: حديثه منكر "، وفي بعضها اقتصر على بعض هذا الكلام، وفي بعضها لم يتكلم فيه.

وقد يتكلم على الحديث بالتضعيف البالغ خارج السنن، ويسكت عنه فيها، ومن أمثلته: ما رواه في السنن من طريق: محمد بن ثابت العبدي، عن نافع، قال: انطلقت مع ابن عمر رضي الله تعالى عنهما في حاجة إلى ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، فذكر الحديث في الذي سلَّم على النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يرد عليه، حتى تيمم ثم رد السلام، وقال: «إنه لم يمنعني أن أرد عليك إلا أني لم أكن على طهر»، لم يتكلم عليه في السنن، ولما ذكره في كتاب التفرد قال: " لم يتابع أحدٌ محمد بن ثابت على هذا " ثم حكى عن أحمد بن حنبل أنه قال: " هو حديث منكر ".

وأما الأحاديث التي في إسنادها انقطاع أو إبهام: ففي الكتاب من ذلك أحاديث كثيرة، منها: وهو ثالث حديث في كتابه: ما رواه من طريق: أبي التياح قال: حدثني شيخ، قال: لما قدم ابن عباس البصرة كان يحدِّث عن أبي موسى رضي الله تعالى عنه، فذكر حديث: «إذا أراد أحدكم أن يبول فليرتد لبوله»: لم يتكلم عليه في جميع الروايات، وفيه هذا الشيخ المبهم، إلى غير ذلك من الأحاديث التي يمنع من الاحتجاج بها ما فيها من العلل.

فالصواب عدم الاعتماد على مجرد سكوته؛ لما وصفنا أنه يحتج بالأحاديث الضعيفة، ويقدمها على القياس إن ثبت ذلك عنه، والمعتمد على مجرد سكوته لا يرى الاحتجاج بذلك فكيف يقلده فيه. وهذا جميعه إن حملنا قوله: " وما لم أقل فيه شيئاً فهو صالح " على أن مراده: أنه صالح للحجة، وهو الظاهر، وإن حملناه على ما هو أعم من ذلك، وهو الصلاحية للحجة أو للاستشهاد أو للمتابعة: فلا يلزم منه أنه يحتج بالضعيف.

ويحتاج إلى تأمل تلك المواضع التي يسكت عليها وهي ضعيفة: هل فيها إفراد أم لا؟ إن وجد فيها إفراد: تعين الحمل على الأول، وإلا حمل على الثاني، وعلى كل تقدير: فلا يصلح ما سكت عليه للاحتجاج مطلقاً.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير