تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

2) أنَّ كثيراً من العلماء اعتنوا بمختلف الحديث عنايةً كبيرةً، من هؤلاء إمام الأئمة ابن خزيمة (17) رحمه الله تعالى فهو من أحسن الناس كلاماً فيه حتى قال عن نفسه: (لا أعرف حديثين متضادين، فمن كان عنده فليأتني به لأؤلف بينهما) (18).

ومن العلماء من صنف به مصنفات كالإمام محمد بن إدريس الشافعي (19) في كتابه "اختلاف الحديث" الذي ذكر فيه طرفاً من الأخبار المتعارضة، ولم يقصد الاستقصاء.قال النووي رحمه الله تعالى: (وصنف فيه الإمام الشافعي ولم يقصد -رحمه الله- استيفاؤه، بل ذكر جملة ينبه بها على طريقه) (20).

وممن صنف فيه كذلك أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدِّينَوَري (21) رحمه الله تعالى في كتابه "تأويل مختلف الحديث " وكان غرضه من هذا الكتاب (الرد على من ادّعى على الحديث التناقض والاختلاف، واستحالة المعنى من المنتسبين إلى المسلمين) (22)، قال النووي رحمه الله تعالى: (ثم صنف فيه ابن قتيبة فأتى بأشياء حسنة وأشياء غير حسنة لكون غيرها أقوى وأولى وترك معظم المختلف) (23).

ومنهم أبو جعفر أحمد بن محمد الطحاوي (24) رحمه الله تعالى في كتابه"مشكل الآثار" وهو من أعظم ما صنف في هذا الباب، وقد بيّن في مطلع كتابه غرضه من تأليف الكتاب فقال: (وَإِنِّي نَظَرْتُ في الآثَارِ الْمَرْوِيَّةِ عنه صلى الله عليه وسلم بِالأَسَانِيدِ الْمَقْبُولَةِ التي نَقَلَهَا ذَوُو التَّثَبُّتِ فيها وَالأَمَانَةِ عليها وَحُسْنِ الأَدَاءِ لها فَوَجَدْت فيها أَشْيَاءَ مِمَّا يَسْقُطُ مَعْرِفَتُهَا وَالْعِلْمُ بما فيها عن أَكْثَرِ الناس، فَمَالَ قَلْبِي إلَى تَأَمُّلِهَا وَتِبْيَانِ ما قَدَرْت عليه من مُشْكِلِهَا وَمِنْ اسْتِخْرَاجِ الأَحْكَامِ التي فيها وَمِنْ نَفْيِ الإِحَالاَتِ عنها وَأَنْ أَجْعَلَ ذلك أَبْوَابًا أَذْكُرُ في كل بَابٍ منها ما يَهَبُ اللَّهُ عز وجل لي من ذلك منها حتى أتى فِيمَا قَدَرْت عليه منها كَذَلِكَ مُلْتَمِسًا ثَوَابَ اللهِ عز وجل عليه، وَاَللَّهَ أَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ لِذَلِكَ وَالْمَعُونَةَ عليه، فإنه جَوَّادٌ كَرِيمٌ، وهو حَسْبِي وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) (25).

ومنهم أبو بكر محمد بن الحسن بن فُورَك (26) رحمه الله تعالى في كتابه "مشكل الحديث وبيانه" وهذا الكتاب جمع فيه مؤلفه جملة من أحاديث العقيدة التي رأي ابن فورك أن ظاهرها التشبية والتجسيم بناءً على مذهبه في الصفات، فيقوم بتأويلها وصرفها عن ظاهرها المراد منها (27) وغيرهم.

ومنهم من لم يفردوه بالتصنيف، لكنهم قد بثوه وفرقوه في كتبهم من هؤلاء حافظ المغرب أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر (28)، وشيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن تيمية،وأبو الفرج عبد الرحمن بن أحمد بن رجب (29)،والحافظ أحمد بن علي العسقلاني (30)، و شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر (ابن قيم الجوزية) -رحمهم الله جميعاً- وغيرهم. والأمر كما قال النووي -رحمه الله-: (وإنما يكمل له الأئمة الجامعون بين الحديث والفقه والأصوليون الغواصون على المعاني) (31).

3) أنَّ النظر في طرق العلماء ومناهجهم في دفع إيهام الاضطراب عن أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم يُنمّي لدى طالب العلم ملكة في التعامل مع النصوص الشرعية،وكذلك يربيه على تقديس وتعظيم وإجلال الوحي كتاباً وسنةً فلا يرد منها شيئاً، بل يجتهد في طلب التوفيق و الجمع بينها؛ وذلك لعلمه أن نصوص الوحي لا تتعارض بحال. قال ابن القيم رحمه الله تعالى: (فصلوات الله وسلامه على من يصدّق كلامه بعضه بعضاً، ويشهد بعضه لبعض، فالاختلاف والإشكال والاشتباه إنما هو في الأفهام، لا فيما خرج من بين شفتيه من الكلام، والواجب على كل مؤمن أن يَكِلَ ما أشكل عليه إلى أصدق قائل، ويعلم أن فوق كل ذي علم عليم) (32)

4) أنَّ مختلف الحديث يكتسب أهميته من أهمية مُتعلقه وهو فقه الحديث، وقد بلغ من عناية أئمة الحديث بهذا الشأن مبلغاً عظيماً حيث عدَّه بعضهم نصف العلم. قال الإمام علي ابن المديني (33) -رحمه الله-: (التفقه في معاني الحديث نصف العلم، ومعرفة الرجال نصف العلم) (34).

• خامساً: بيان حقيقة الاختلاف الحقيقي والظاهري:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير