(مقدِّمات في علم مختلف الحديث)
ـ[العويشز]ــــــــ[17 - 02 - 07, 04:48 م]ـ
الحمد لله أحق حمداً وأوفاه، والصلاة والسلام على محمد بن عبد الله خير خلقه ومصطفاه، وعلى آله وصحبه ومن سلك طريقه، واتبع سنته، واهتدى بهداه إلى يوم نلقاه.
أما بعد:
فهذه مقدمات في علم مختلف الحديث تشتمل على:
(تعريف علم مختلف الحديث، ومشكله والفَرْقُ بينهما،و أهميّة علم مختلف الحديث، والمؤلفات فيه، وبيان حقيقة الاختلاف الحقيقي، والظاهري،وأسبابه. وترتيب مسالك أهل العلم في دفع مختلف الحديث).
أسأل الله تعالى أن ينفع بها كاتبها ومن قرأ وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما مزيداً.
• أولاً:تعريف مختلف الحديث:
مختلف الحديث لغةً:
المختلِف والمختلَف بكسر اللام وفتحها، فعلى الأول يكون اسم فاعل، وعلى الثاني يكون اسم مفعول، وهو من اختلف الأمران إذا لم يتفقا، وكل مالم يتساو فقد تخالف واختلف، ومنه قول الله تعالى {يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ} (1) وقوله تعالى: {وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ} (2) أي: في حال اختلاف أُكُلِه (3).والخاء واللام والفاء تدور معانيها على ثلاثة أصول:
أحدها: (خَلَف): وهو أن يجئ شيء بعد شيء يقوم مقامه.
والثاني: (خَلْف) وهو غير قُدَّام.
والثالث: (خَلَف) وهو التغير (4).
وأما في الاصطلاح:
فمن ضبط كلمة (مختلف) على وزن اسم فاعل (مُختلِف) بكسر اللام، عرفه بأنه: الحديث الذي عارضه - ظاهراً - مثله (5).
ومن ضبطها بفتح اللام (مُختلَف) على وزن اسم مفعول قال في تعريفه: أَنْ يأْتي حديثان مُتَضادَّان في المعنى ظاهراً (6).
وعليه فيكون المراد بالتعريف على الضبط الأول الحديث نفسه. والمراد بالتعريف على الضبط الثاني نفس التضاد والتعارض والاختلاف.
• ثانياً: مشكل الحديث:
المُشكل في اللغة: المُختلط والمُلتبس، يقال: (أشكل الأمر: التبس) (7) و (أشكل عليّ الأمر، إذا أختلط. وأشكلت عليًّ الأخبار وأحلكت: بمعنى واحد) (8)
وأما في اصطلاح أهل الحديث فيمكن تعريفه بأنه: الحديث الذي لم يظهر المراد منه لمعارضته مع دليل آخر صحيح (9).
• ثالثاً: الفرق بين مختلف الحديث ومشكله:
عند التأمل في تعريف مختلف الحديث ومشكله يظهر لنا الفرق بينهما، وأوضح ذلك من خلال ما يلي:
1 - الفرق اللغوي:
أ*- فالمختلف لغة مشتق من الاختلاف.
ب*- بينما المشكل لغة مشتق من الإشكال، وهو الالتباس.
2 - الفرق في السبب:
أ*- فالمختلف سببه معارضة حديث لحديث ظاهراً.
ب*- بينما مشكل الحديث سبب الإشكال فيه قد يكون التعارض الظاهري بين آية و حديث، وقد يكون سببه التعارض الظاهري بين حديثين أو أكثر، وقد يكون سببه معارضة الحديث للإجماع، وقد يكون سببه معارضة الحديث للقياس، وقد يكون سببه مناقضة الحديث للعقل، وقد يكون سببه غموضاً في دلالة لفظ الحديث على المعنى لسبب في اللفظ، فيكون مفتقر إلى قرينة خارجية تزيل خفاءه كالألفاظ المشتركة.
3 - الفرق في الحكم:
أ*- فالمختلف حكمه محاولة المجتهد التوفيق بين الأحاديث المختلفة بإعمال القواعد المقررة عند أهل العلم في ذلك.
ب*- وأما المشكل فحكمه النظر والتأمل في المعاني المحتملة للفظ وضبطها، والبحث عن القرائن التي تبين المراد من تلك المعاني (10).
• رابعاً: أهمية علم مختلف الحديث، والمؤلفات فيه:
علم مختلف الحديث له أهمية كبيرة، أُبرزها من خلال الأمور التالية:
1) أنَّ فهم الحديث النبويّ الشريف فهماً سليماً، واستنباط الأحكام الشرعية من السنة النبويّة على- صاحبها أفضل الصلاة و أتم التسليم - استنباطاً صحيحاً لا يتم إلا بمعرفة مختلف الحديث. وما من عالم إلا وهو مضطرٌ إليه ومفتقر لمعرفته. ولذا فقد تنوعت عبارات الأئمة في بيان مكانة مختلف الحديث وعظيم منزلته. ومن ذلك قول ابن حزم الظاهري (11) رحمه الله تعالى: "وهذا من أدق ما يمكن أن يعترض أهل العلم من تأليف النصوص وأغمضه وأصعبه" (12).وقال أبو زكريا النووي (13) رحمه الله تعالى: " هذا فنٌ من أهمِّ الأنواع، ويضطرُّ إلى معرفته جميع العلماء من الطوائف " (14). وقال ابن تيمية (15) رحمه الله تعالى: " فإن تعارض دلالات الأقوال وترجيح بعضها على بعض بحر خضم" (16).
¥