تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[التوفيق بين عبارتين في المصطلح]

ـ[أبو دوسر]ــــــــ[29 - 04 - 07, 01:55 م]ـ

الأخوة الكرام:

يذكر علماء المصطلح عبارتين أرجو من الله أن أجد عندكم من يوفق بينهما أو يوضحها

وهي قولهم (زيادة الثقة مقبولة)

في حين يقولون في تعريف الحديث الشاذ (مخالفة الثقة لمن هو أوثق منه)

فالتبس الأمر علي لا عليكم

فوضحوا لنا بارك الله فيكم

ـ[محمد خلف سلامة]ــــــــ[30 - 04 - 07, 04:48 م]ـ

إذا قال المحققون من النقاد، وأعني بهم علماء العلل: (الزيادة من الثقة مقبولة) في معرض تخريجهم بعض الروايات، فليس معنى ذلك أن هذه قاعدة عامة عندهم، وأن زيادات الثقات مقبولة بإطلاق؛ وإنما المعنى الحقيقي لتلك العبارة مقيد بذلك الموضع ومحصور به، لا يتعداه إلى غيره، فكأن ذلك الناقد قال: (زيادة الثقة أي الذي يوثق بما زاده في ذلك الموضع: مقبولة)؛ ولقد تكررت هذه العبارة كثيراً في كتب العلل ونحوها، ولم يكن مرادهم بها الإطلاق الذي مشى عليه الفقهاء وأكثر المتأخرين، وإنما مرادهم ما ذكرت، ودليله أن أصحاب كتب العلل المشار إليها هم أنفسهم قد ردوا كثيراً من زيادات الثقات في تلك الكتب نفسها وفي غيرها أيضاً.

فإن قيل: حصرُك لتلك العبارة في الموضع الذي قيلت فيه: فيه تحجُّرٌ لواسع ودعوى غير واضحة البرهان، أقول: دعونا من الألفاظ والعبارات ولنأت إلى ساحة الحقائق، فأقول: لا مانع من أن يقال: إن مراد علماء العلل بالعبارة المذكورة هو أن الأصل في زيادات الثقات القبول إلا إذا منع مانع من قبول بعضها؛ ولكن لا بد أن ننفي أن يكون المانع من القبول محصوراً في القدر الذي اعتبره المتأخرون، وهو عدم إمكان الجمع ونحو ذلك؛ فإن موانع تصحيح زيادة الثقة عند علماء العلل كثيرة جداً وفيها كثير من الخفاء والدقة والبعد بحيث لا يقدر على التصريح بانتفاء الموانع من تصحيح زيادة الثقة في حديث بعينه إلا علماء العلل، ومَن سار على طريقتهم واستضاء بنور علمهم في أصوله وفروعه، من الطلبة الجادين النابهين الذين تقوم دراساتهم المتبحرة الشاملة وسهرهم الدائم وتفتيشهم الدائب – مع اقتصارهم على قدر غير كبير من الأحاديث أو الأبواب -، في تلك الأبواب، مقامَ ما منَّ الله به على جهابذة الفن وكبار علمائه من معرفة ثاقبة وحفظ عجيب وبديهة حاضرة؛ ومن الله التوفيق.

قال الحاكم في (المستدرك) (1/ 112) عقب حديث أخرجه من طريق علي بن حفص (1) المدائني: (قد ذكر مسلم هذا الحديث في أوساط الحكايات التي ذكرها في خطبة الكتاب ----، ولم يخرجه محتجاً به في موضعه من الكتاب، وعلي بن حفص المدائني ثقة؛ وقد نبهنا في أول الكتاب على الاحتجاج بزيادات الثقات).

وهذا التنبيه الذي أومأ إليه، هو قوله في خطبة «المستدرك» (1/ 3): (وأنا أستعين الله على إخراج أحاديث رواتها ثقات قد احتجَّ بمثلها الشيخان - رضي الله عنهما - أو أحدهما، وهذا شرط الصحيح عند كافة فقهاء أهل الإسلام أن الزيادة في الأسانيد والمتون من الثقات مقبولة؛ والله المعين على ما قصدته، وهو حسبي ونعم الوكيل».

فتعقبه الشيخ محمد عمرو عبداللطيف في (أحاديث ومرويات في الميزان) (ك2/ 42 - 44) بقوله:

(قلت: من المتقرر أنه لا بد لمعرفة أصول وقواعد كل علم شرعي أو دنيوي، أن يُرجَع إلى أهل الاختصاص فيه، الذين هم أدرى به من غيرهم بداهة.

والمذهب الذي صححه الحاكم - وإن كان هو المترجح عند غير أهل الحديث - فلا كذلك عند جهابذة النقاد من المحدثين، فإنهم لا يقبلون الزيادة من الثقة بإطلاق، بل إذا كانت من أمثال مالك والثوري رحمهما الله، المبرزين في الحفظ والإتقان.

وهم لا يَجرون على قاعدة ثابتة لا محيد عنها أبداً، بل ينظرون إلى كل حديث على انفراده، ويرجحون أحدَ وَجْهَي أو وجوه الاختلاف بعد مراعاة القرائن المحيطة بهذا الحديث.

ونظراً لأن أصحاب الزيادة في الأسانيد والمتون كثيراً ما تكون كفة الواحد منهم مرجوحة، تارةً في الحفظ والإتقان، وتارةً في العدد، بل أحياناً فيهما جميعاً كما في حديثنا هذا، فإننا نجدهم في الغالب يرجحون الرواية الأنقص إرسالاً أو وقفاً أو قطعاً أو إبهاماً لاسم راوٍ أو غير ذلك، ولا يفعلون ذلك باطِّراد.

ولذلك نجد الدارقطني يقول أحياناً: «فلان ثقة والزيادة من الثقة مقبولة»، وهو بالضرورة لا يعني آحاد الثقات الذين لا يتميزون بمزيد تثبت وإتقان، أو بمزيد حفظ، أو بأصحية كتاب، أو بطول ملازمة للشيخ ... إلخ، بل يقصد الحفاظ المبرزين في الحفظ والإتقان.

ولو كان الأمر كما قال الحاكم - عفا الله تعالى عنه - ما استحق علم «علل الحديث» أن يوصف بأنه (أوعر وأدق علومه على الإطلاق) بحيث لا يقوم به ولا يُطيقه إلا جهابذةُ النقاد وحُذّاقُهم؛ ولَمَا كان لتصنيف مثل ابن المديني والنسائي والبرديجي وابن رجب (أصحاب فلان) - من المشاهير - وذكر طبقاتهم ومعرفة المقدَّم والمؤخَّر، بل والثقة المضعف في شيخ من الشيوخ، كبيرُ فائدة، بل لاستوى المبتدئ في هذا العلم مع الناقد الجهبذ لو علم - فقط - من مثل «تقريب التهذيب» أن فلاناً من الرواة ثقة، وأن مخالفيه أيضاً ثقات، بعد اجتماع وجوه الاختلاف عنده بالحاسوب مثلاً!

ولذلك نجد المذهب الذي انتصر له الحاكم، وسيأتي مثله عن الإمام النووي - رحمهم الله جميعاً - لم يأخذ به إلا المتسمحون أمثال: ابن حبان، والضياء المقدسي، بحيث صححوا عشرات الأحاديث المعلولة إسناداً أو متناً.

فحديثنا هذا، لم يُخرج ابن حبان لعلي بن حفص المدائني سواه - والعهدة على صانع فهارس «الإحسان» -، على الرّغم من أنه قال في ترجمته من «الثقات»: «ربما أخطأ»، وذلك لأن زيادة الوصل - عنده - زيادة ثقة، وهي مقبولة، بينما عند أهل التحقيق كالدارقطني ومن وافقه زيادة مرجوحة، وخطأ، ووهم، وسلوك للجادة!).


(1) تحرف في (المستدرك) إلى (جعفر)، وجاء في (التلخيص) على الصواب.
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير