أشجار القنوط الخبيثة. (يَابَنِيّ اذْهَبُواْ فَتَحَسّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رّوْحِ اللهِ إِنّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن روْحِ اللهِ إِلاّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) [يوسف: 87]. والحق أن في السنة النبوية الكثير والكثير من الأحاديث المبشرة بنصر الإسلام والتمكين له، وكلها أحاديث تتكاتف مع حديث المجدد من حيث وحدة الهدف، في كون هذه الأمة منصورة، ممكن لها .. ومن أمثلة تلك الأحاديث الكريمة: قول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ:
1 - " بشر هذه الأمة: بالتيسير، والسناء، والرفعة بالدين، والتمكين في البلاد، والنصر. فمن عمل منهم بعمل الآخرة للدنيا فليس له في الآخرة من نصيب" (3)
2 - " مثل أمتي، مثل المطر؛ لا يدري أوله أخير أم آخره." (4)
3 - " ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو ذل ذليل عزا يعز الله به الإسلام وذلا يذل الله به الكفر" (5)
4 - "تسمعون ويُسمع منكم، ويُسمع ممن سمع منكم" (6)
5 - " تكون النبوة فيكم ـ ما شاء الله أن تكون ـ، ثم يرفعها الله تعالى. ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ـ ما شاء الله أن تكون ـ،ثم يرفعها الله تعالى. ثم تكون ملكاً عاضاً، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله تعالى. ثم تكون ملكاً جبرية فيكون ما شاء الله أن يكون، ثم يرفعها الله تعالى، ثم تكون خلافة على منهاج نبوة " ثم سكت (7).
6 - " إن الله زوى لي الأرض! فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها " (8).
وبالجملة فإن هذه الأحاديث لا سيما هذا الحديث العظيم (أي حديث المجدد) من البشائر التي وعد بها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وإن هذا الحديث العظيم ليمنح المسلم طاقة من الأمل الأكيد بنصر الله لعباده المؤمنين، ويمنحه ـ فوق هذا ـ دفعة قوية محركة للعمل والبذل والجهاد والتضحية رجاء أن يكتب له المولى ـ تبارك وتعالى ـ ثواب المجددين.
في لطائف الحديث:
1 - أول ما يستوقف المتأمل في هذا الحديث الكريم؛ هو قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " يبعث اللهُ " .. ! وهو بذلك يقذف في قلب المستمع من أول وهلة سيلاً من الثقة والإيمان يشي بعناية ورعاية المولى ـ تبارك وتعالى ـ للمجدد .. وكلمة البعث هنا توحي بأن الله تعالى يرسل لهذه الأمة من يصطفيه ويجتبيه من عباده ليحمل أمانة التجديد وتبعة النهضة ومسؤولية الإحياء. وكأن المجددين هم رسل الله بعد الأنبياء غير أنه لا نبي بعد محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ!
2 - وانظر إلى قوله: " لهذه الأمة " .. نعم .. قوله: " لهذه الأمة" .. فالتجديد الإسلامي يهدف بالأساس مصلحة هذه الأمة جمعاء، وكل مصالحها السياسية والاقتصادية والفكرية والتربوية ... الخ، كما أن المجدد ليس بالذي يعيش لنفسه، أو يعيش معزولاً عن الأمة، حبيس الكتب والمكتبات .. إنه بذلك يعيش من أجل نفسه بل من أجل شهواته، يعيش من أجل أن يشبع بطنه بحبر قلمه! ولكن المجدد الحقيقي هو الذي يعيش بكل كيانه لهذه الأمة، ولأبناء هذه الأمة مهما كان مكانهم ومهما كان حالهم ومهما كانت أرضهم! .. " إننا نعيش لأنفسنا حياة مضاعفة، حينما نعيش للآخرين" (9).
3 - ثم قال: " على رأس كل مائة سنة " .. ومعروف أن رأس الشيء أعلاه، ورأس الشهر أوله، ورأس المال أصله .. هنا يتساءل الشراح عن بداية المائة .. فقال المناوي: " يحتمل من المولد النبوي، أو من البعثة، أو من الهجرة، أو الوفاة .. ولو قيل بأقربية الثاني (أي البعثة) لم يبعد، لكن صنيع السبكي وغيره مصرح بأن المراد الثالث " (10) (أي الهجرة). قال القرضاوي ـ حفظه الله ـ: " وذلك لأنهم في حديثهم عن المجددين اعتبروا التاريخ الهجري هو الأساس، وهو معقول؛ لأنه التاريخ الذي ألهم الله المسلمين منذ عهد عمر أن يؤرخوا به دون غيره، فلم يعتمدوا المولد ولا البعثة ولا الوفاة." (11). هذا وقد قال بعضهم في قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " على رأس كل مائة سنة" .. يعني في أولها، وقال آخرون بل في آخرها، كما يلاحظ أن أكثرهم جعلوا العبرة بوفاة المجدد في رأس القرن، كما يظهر ذلك في وفيات الذين عينوهم: فعمر بن عبد العزيز توفي ـ رحمه الله ـ في سنة 101هـ، والشافعي توفي ـ رحمه الله ـ في سنة 204هـ،
¥