الاحتجاج بخبره، لان الحفاظ الذين رأيناهم أكثرهم كانوا يحفظون الطرق والاسانيد دون المتون، ولقد كنا نجالسهم برهة من دهرنا على المذاكرة، ولا أراهم يذكرون من متن الخبر إلا كلمة واحدة يشيرون إليها، وما رأيت على أديم الارض من كان يحسن صناعة السنن، ويحفظ الصحاح بألفاظها، ويقوم بزيادة كل لفظة تزاد في الخبر ثقة، حتى كأن السنن كلها نصب عينيه إلا محمد بن إسحق بن خزيمة - رحمة الله عليه - فقط
وقال أبو علي النيسابوري:كان بن خزيمة يحفظ الفقهيات من حديثه كما يحفظ القارىء السورة قلت (الذهبى) هذا الامام كان فريد عصره
قال أبو العباس بن سريج وذكر له ابن خزيمة فقال يستخرج النكت من حديث رسول الله صلى الله عليه وآله بالمنقاش.
وكفى بهذه شهادة من أفضل الشافعية بعد الشافعى كما قاله أبو العباس فى المنهاج
وتبويبات وتراجم ابن خزيمة فى الصحيح دليل واضح ولسان ناطق على ماتقدم من كلام الأئمة
4_ ثم جاء بعد ذلك مفتى المذهبين الشافعى و المالكى الشيخ تقى الدين ابن دقيق العيد رحمه الله تعالى
قال الذهبى: أحد أذكياء العالم وقال الصفدى: " ..... غواصاً على المعاني مجتهداً وافر العقل"
وكان ذهنه تنزل على ذهن الشافعي لأن اجتهاده وافق اجتهاد الشافعى إلا فى مسألتين
قال الحافظ فى الدرر:وصنف الإلمام في أحاديث الأحكام وشرع في شرحه فخرج منه أحاديث يسيرة في مجلدين أتى فيهما بالعجائب الدالة على سعة دائرته في العلوم خصوصاً في الاستنباط
قال ابن الزملكانى:وإليه النهاية في التحقيق والتدقيق والغوص على المعاني
قال زكي الدين عبد العظيم ابن أبي الأصبغ صاحب البديع في كتابه ذكرت للفقيه الفاضل تقي الدين محمد بن علي بن وهب القيشري يعنى ابن دقيق العيد أبقاه الله تعالى وهو من الذكاء والمعرفة على حالة لا أعرف أحداً في زمني عليها وذكرت له عدة وجوه المبالغة فيها وهي عشرة ولم أذكرها مفصلة وغبت عنه قليلاً ثم اجتمعت به فذكر لي أنه استنبط فيها أربعة وعشرين وجهاً من المبالغة يعني في قوله تعالى " أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب " الآية فسألته أن يكتبها لي فكتبها بخطه وسمعتها منه بقراءتي واعترفت له بالفضل في ذلك انتهى
وقد عاش الشيخ تقي الدين بعد ابن أبي الأصبغ زيادة على أربعين سنة
قال الشيخ ابن عثيمين ابن دقيق العيد دقيق كاسمه
وثناء العلماء على عقله وذكائة وغوصه على المعانى كثير
ومن قرأ شرحه على الإمام وعلى العمدة تيقن أنه من أذكى أذكياء العالم وشرحه على الإمام قال عنه أبو العباس ابن تيمية هو كتاب الإسلام وقيل أن هذا الكلام إنما هو على كتابه الذى جمعه فى أحاديث الأحكام يعنى "الإمام "
وكان يستنبط من الحديث الواحد أكثر من 700 فائدة كم سيأتى
وهذا العالم يضاهى ويساوى ابن تيمية فى كل العلوم إلا فى الملل والنحل وكلام السلف والمذهب الحنبلى فابن تيميه أعلم منه فيها وهو أعلم من ابن تيميه فى المذهب المالكى والشافعى ولو تفرغ للرد على مقالات أهل البدع لكان شيخ الإسلام بحق
ولهذا الإمام فى قلبى منزلة ليست لأحد غيره رحمه الله
5_ ثم جاء بعده محمد بن أحمد البكرى الشريشى أو الشربشى _ سوف أتأكد منه لاحقا لأن ذيل طبقات الشافعية للعبادى ليس فى متناول يدى الآن_ فصنف كتاب اسمه الكلام على حديث صفوان بن عسّال المرادى (أظنه حديثه فى طلب العلم والمسح على الخفين أخرجه الترمذى وأبو داود وغيرهم)
واستنبط منه ثلاثة آلاف فائدة كلها مقصودة_ يعنى غير متكلفة ولا بعيدة_ فأخبر أنه بيّض منه النصف فى مجلد كبير وفيه فوائد وقواعد ونفائس واستنباطات غريبة
وسبب ذلك أن الشيخ تقى الدين ابن دقيق العيد كان قد شرع فى الإلمام _وهو شرح الإمام_ وتكلم على أحاديث منه فى مجلد كبير ومما تكلم عليه حديث أمرنا بسبع ونهينا عن سبع فاستنبط منه 700 فائدة وتأخرت الهمم أن تصل إلى شىء من ذلك فأراد الشيخ جمال الدين _صاحب الترجمة_ أن يفتح الباب _بعدما أغلق بابن دقيق العيد_ بأن يتكلم على حديث واحد أكثر مما تكلم هو على أحاديث كثيرة وأول حديث تكلم عليه حديث أبى هريرة " لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات فاستنبط منه 400 فائدة ا. هـ من ذيل الطبقات مع زيادة وتصرف قليل
6_ ثم جاء بعد ذلك من يسميه الحافظ وغيره بشيخ الإسلام سراج الدين البلقينى
¥