• عن انس بن مالك قال حدثني محمود بن ربيع عن عتبان بن مالك قال قدمت المدينة فلقيت عتبان فقلت حديث بلغني عنك، قال أصابني في بصري بعض الشيء فبعثت الى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إني أحب أن تأتيني فتصلي في منزلي فاتخذه مصلى قال فأتى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ومن شاء الله من أصحابه فدخل وهو يصلي في منزلي وأصحابه يتحدثون بينهم ثم اسندوا عظم ذلك وكبره الى مالك بن دخشم قالوا ودوا انه دعا عليه فهلك ودوا انه أصابه شر، فقضى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الصلاة،وقال:أليس يشهد أن لا اله إلا الله،واني رسول الله؟ قالوا انه يقول ذلك وما هو في قلبه،قال: لا يشهد احد أن لا اله إلا الله واني رسول الله فيدخل النار أو تطعمه،قال انس فأعجبني هذا الحديث فقلت لابني اكتبه فكتبه".
وإذا أنعمنا النظر في الروايات التي أوردنا فيما سبق يظهر لنا ما يأتي:
أولا: إن كثيرا ممن ورد عنهم النهي عن التدوين روي عنهم أنفسهم الإذن بكتابة الحديث، كابي بكر وعمر وعلي وأبي هريرة وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وأبي موسى الأشعري، رضي الله عنهم جميعا، كما يبدو ذلك واضحا من الروايات التي نقلناها.
ثانيا: إن الجمع بين هذه المنقولات المختلفة يجب أن يكون خارج منطقة القول بنسخ أحاديث الإذن لأحاديث المنع، لان القول بالنسخ يصادر حق العودة الى القول بكراهة الكتابة بعد وفاته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إذ لم يقل احد من العلماء إن لأي مسلم حق النسخ أو العودة الى المنسوخ سوى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
ثالثا: إن حمل هذا الاختلاف في الموقف من التدوين على تغير العلم الحاصل لدى كل صحابي بمعنى أنهم تبنوا المنع لجهلهم بأحاديث الإذن ثم تبنوا الإذن لما علموا بترخيص النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أقول إن هذا بعيد لأنه لم يقم لواحد أو اثنين من الصحابة لنقول بإمكانية حمله على ذلك،وإنما وقع هذا الأمر لأكثر الصحابة الذين عرف لهم موقف من التدوين فما هو السبب الحقيقي وراء هذا التنوع في المواقف من هذه المسألة؟.
رابعا: إن السبب الذي نراه راجحا وراء هذا التنوع يمكن إجماله فيما يأتي:
1. إن الصحابة رضي الله عنهم لم يحملوا النهي الوارد عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - على الحرمة، إذ لو كان هذا ماثلا في أذهانهم لما تجرأ احد من الصحابة الى تدوين شيء من الحديث أو الإذن فيه، وهم من هم في إتباعهم للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وإنما حملوا ذلك على الكراهة، أو التخصيص.
2. كذلك لم يحمل الصحابة تلك النصوص النبوية على النسخ، لاستمرار القول بكراهة التدوين عند كثير من الصحابة بعد وفاته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -،ومعلوم أن التمسك بالحكم المنسوخ يتنافى مع منهج الاقتداء المطلق برسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
3. إن الصحابة فهموا أن كراهة التدوين مرتبطة بعلة وهدف؛ أما العلة فهي خشية اختلاطها بالقران، وأما الهدف فهو المحافظة على توقد الذهن وسعة الحفظ، فإذا زالت العلة وامن الاختلاط جاز القول بالتدوين، بالقدر الذي لا يكون سببا في الاتكال على الكتاب دون الحفظ، فأن جعل الكتاب وسيلة للحفظ وليس بديلا عنه قالوا به وإلا فلا، يشهد لنا قول ابن عون " رأيت حمادا يكتب بين يدي ابراهيم (النخعي) فقال له ابراهيم الم أنهك؟ قال: إنما هي إطراف". فكتابة
المطلب الرابع
الشبهات التي أثيرت حول تدوين الحديث ومناقشتها:
لقد اثار المبطلون كثيرا من الشبهات حول مسألة تدوين الحديث على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وصحابته الكرام رضي الله عنهم، وقد جاءت هذه الشبهات في كثير من الأحيان تحمل عوارها بيدها وتدل على بطلانها بنفسها فكفتنا مئونة تفنيدها والرد عليها، وجاء بعضها الاخر وقد البس ثوب الحق من اجل تمريره على بسطاء الناس، فرأيت لزاما أن نستعرض هذه الشبهات ونحاكمها أمام المنطق والعقل السوي، وستكون طريقة عرضها اعتمادا على من تبناها وروج لها:
أولا شبهات الشيخ علي الكوراني والرد عليها:
¥