تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ إنَّ الْحَشْوِيَّةَ عَلَى ضَرْبَيْنِ أَحَدُهُمَا: لَا يَتَحَاشَى مِنْ الْحَشْوِ وَالتَّشْبِيهِ وَالتَّجْسِيمِ. وَالْآخَرُ: تَسَتُّرٌ بِمَذْهَبِ السَّلَفِ. وَمَذْهَبُ السَّلَفِ إنَّمَا هُوَ التَّوْحِيدُ وَالتَّنْزِيهُ؛ دُونَ التَّشْبِيهِ وَالتَّجْسِيمِ وَكَذَا جَمِيعُ الْمُبْتَدِعَةِ يَزْعُمُونَ هَذَا فِيهِمْ كَمَا قَالَ الْقَائِلُ: وَكُلٌّ يَدَّعِي وَصْلًا لِلَيْلَى وَلَيْلَى لَا تُقِرُّ لَهُمْ بذاكا فَهَذَا الْكَلَامُ فِيهِ حَقٌّ وَبَاطِلٌ. فَمِنْ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ: ذَمُّ مَنْ يُمَثِّلُ اللَّهَ بِمَخْلُوقَاتِهِ وَيَجْعَلُ صِفَاتِهِ مَنْ جِنْسِ صِفَاتِهِمْ. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} وَقَالَ: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا}. وَقَدْ بَسَطْنَا الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ وَذَكَرْنَا الدَّلَالَاتِ الْعَقْلِيَّةَ الَّتِي دَلَّ عَلَيْهَا كِتَابُ اللَّهِ فِي نَفْيِ ذَلِكَ وَبَيَّنَّا مِنْهُ مَا لَمْ يَذْكُرْهُ الْنُّفَاةِ الَّذِينَ يَتَّسِمُونَ بِالتَّنْزِيهِ وَلَا يُوجَدُ فِي كُتُبِهِمْ وَلَا يُسْمَعُ مِنْ أَئِمَّتِهِمْ؛ بَلْ عَامَّةُ حُجَجِهِمْ الَّتِي يَذْكُرُونَهَا حُجَجٌ ضَعِيفَةٌ. لِأَنَّهُمْ يَقْصِدُونَ إثْبَاتَ حَقٍّ وَبَاطِلٍ فَلَا يَقُومُ عَلَى ذَلِكَ حُجَّةٌ مُطَّرِدَةٌسَلِيمَةٌ عَنْ الْفَسَادِ بِخِلَافِ مَنْ اقْتَصَدَ فِي قَوْلِهِ وَتَحَرَّى الْقَوْلَ السَّدِيدَ. فَإِنَّ اللَّهَ يُصْلِحُ عَمَلَهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} {يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ}. وَفِيهِ مِنْ الْحَقِّ الْإِشَارَةُ إلَى الرَّدِّ عَلَى مَنْ انْتَحَلَ مَذْهَبَ السَّلَفِ مَعَ الْجَهْلِ بِمَقَالِهِمْ أَوْ الْمُخَالَفَةِ لَهُمْ بِزِيَادَةِ أَوْ نُقْصَانٍ. فَتَمْثِيلُ اللَّهِ بِخَلْقِهِ وَالْكَذِبُ عَلَى السَّلَفِ مِنْ الْأُمُورِ الْمُنْكَرَةِ سَوَاءٌ سُمِّيَ ذَلِكَ حَشْوًا أَوْ لَمْ يُسَمَّ.

وَالْمَقْصُودُ: أَنَّ كَلَامَهُ فِيهِ حَقٌّ وَفِيهِ مِنْ الْبَاطِلِ أُمُورٌ: - (أَحَدُهَا قَوْلُهُ: " لَا يَتَحَاشَى مِنْ الْحَشْوِ وَالتَّجْسِيمِ " ذَمٌّ لِلنَّاسِ بِأَسْمَاءِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ. وَاَلَّذِي مَدْحُهُ زَيْنٌ وَذَمُّهُ شَيْنٌ: هُوَ اللَّهُ. وَالْأَسْمَاءُ الَّتِي يَتَعَلَّقُ بِهَا الْمَدْحُ وَالذَّمُّ مِنْ الدِّينِ: لَا تَكُونُ إلَّا مِنْ الْأَسْمَاءِ الَّتِي أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا سُلْطَانَهُ وَدَلَّ عَلَيْهَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ أَوْ الْإِجْمَاعُ كَالْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ وَالْعَالِمِ وَالْجَاهِلِ وَالْمُقْتَصِدِ وَالْمُلْحِدِ. فَأَمَّا هَذِهِ " الْأَلْفَاظُ الثَّلَاثَةُ " فَلَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَلَا فِي حَدِيثٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا نَطَقَ بِهَا أَحَدٌ مِنْ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا لَا نَفْيًا وَلَا إثْبَاتًا. وَأَوَّلُ مَنْ ابْتَدَعَ الذَّمَّ بِهَا " الْمُعْتَزِلَةُ " الَّذِينَ فَارَقُوا جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ فَاتِّبَاعُ سَبِيلِ الْمُعْتَزِلَةِ دُونَ سَبِيلِ سَلَفِ الْأُمَّةِ تَرْكٌ لِلْقَوْلِ السَّدِيدِ الْوَاجِبِ فِي الدِّينِ وَاتِّبَاعٌ لِسَبِيلِ الْمُبْتَدِعَةِ الضَّالِّينَ. وَلَيْسَ فِيهَا مَا يُوجَدُ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ ذَمُّهُ إلَّا لَفْظُ " التَّشْبِيهِ " فَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ لَكَانَ لَهُ قُدْوَةٌ مِنْ السَّلَفِ الصَّالِحِ وَلَوْ ذَكَرَ الْأَسْمَاءَ الَّتِي نَفَاهَا اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ مِثْلُ لَفْظِ " الْكُفُؤِ وَالنِّدِّ وَالسَّمِيِّ " وَقَالَ: " مِنْهُمْ مَنْ لَا يَتَحَاشَى مِنْ التَّمْثِيلِ وَنَحْوِهِ ": لَكَانَ قَدْ ذُمَّ بِقَوْلِ نَفَاهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ وَدَلَّ الْقُرْآنُ عَلَى ذَمِّ قَائِلِهِ ثُمَّ يَنْظُرُ: هَلْ قَائِلُهُ مَوْصُوفٌ بِمَا وَصَفَهُ بِهِ مِنْ الذَّمِّ أَمْ لَا؟.

فَأَمَّا الْأَسْمَاءُ الَّتِي لَمْ يَدُلُّ الشَّرْعُ عَلَى ذَمِّ أَهْلِهَا وَلَا مَدْحِهِمْ فَيُحْتَاجُ فِيهَا إلَى مَقَامَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: بَيَانُ الْمُرَادِ بِهَا.

وَالثَّانِي: بَيَانُ أَنَّ أُولَئِكَ مَذْمُومُونَ فِي الشَّرِيعَةِ. وَالْمُعْتَرِضُ عَلَيْهِ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ الْمَقَامَيْنِ فَيَقُولَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الَّذِينَ عَنَيْتهمْ دَاخِلُونَ فِي هَذِهِ الْأَسْمَاءِ الَّتِي ذَمَمْتهَا وَلَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ عَلَى ذَمِّهَا وَإِنْ دَخَلُوا فِيهَا. فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ كُلَّ مَنْ دَخَلَ فِي هَذِهِ الْأَسْمَاءِ فَهُوَ مَذْمُومٌ فِي الشَّرْعِ.

الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ هَذَا الضَّرْبَ الَّذِي قُلْت: " إنَّهُ لَا يَتَحَاشَى مِنْ الْحَشْوِ وَالتَّشْبِيهِ وَالتَّجْسِيمِ " إمَّا أَنْ تُدْخِلَ فِيهِ مُثْبِتَةَ الصِّفَاتِ الْخَبَرِيَّةِ الَّتِي دَلَّ عَلَيْهَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ أَوْ لَا تُدْخِلَهُمْ. فَإِنْ أَدْخَلْتهمْ كُنْت ذَامًّا لِكُلِّ مَنْ أَثْبَتَ الصِّفَاتِ الْخَبَرِيَّةَ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا مَذْهَبُ عَامَّةِ السَّلَفِ وَمَذْهَبُ أَئِمَّةِ الدِّينِ. بَلْ أَئِمَّةُ الْمُتَكَلِّمِينَ يُثْبِتُونَ الصِّفَاتِ الْخَبَرِيَّةَ فِي الْجُمْلَةِ .... " الخ كلامه النفيس رحمه الله.

وصلى الله على محمد وآله وصحبه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير