وفي أول صفر شبت الحرب، وقتل خلق، وضجروا، فرفع أهل الشام المصاحف، وقالوا: ندعوكم إلى كتاب الله والحكم بما فيه، وكان ذلك مكيدة من عمرو بن العاص، فاصطلحوا وكتبوا بينهم كتابا على أن يوافوا أذرح. ويحكموا حكمين.
قال: فلم يقع اتفاق. ورجع علي إلى الكوفة بالدغل من أصحابه والاختلاف. فخرج منهم الخوارج، وأنكروا تحكيمه، وقالوا: لا حكم إلا لله. ورجع معاوية بالألفة والاجتماع. وبايعه أهل الشام بالخلافة في ذي القعدة سنة ثمان وثلاثين. فكان يبعث الغارات، فيقتلون من كان في طاعة علي، أو من أعان على قتل عثمان. وبعث بسر بن أبي أرطاة إلى الحجاز واليمن يستعرض الناس، فقتل باليمن عبد الرحمن وقثما ولدي عبيد الله بن عباس، ثم استشهد علي في رمضان سنة أربعين.
وصالح الحسن بن علي معاوية، وبايعه، وسمي عام الجماعة فاستعمل معاوية على الكوفة المغيرة بن شعبة، وعلى البصرة عبد الله بن عامر بن كريز، وعلى المدينة أخاه عتبة ثم مروان، وعلى مصر عمرو بن العاص، وحج بالناس سنة خمسين. وكان على قضائه بالشام فضالة بن عبيد.
ثم اعتمر سنة ست وخمسين في رجب، وكان بينه وبين الحسين، وابن عمر، وابن الزبير، وابن أبي بكر، كلام في بيعة العهد ليزيد، ثم قال: إني متكلم بكلام، فلا تردوا علي أقتلكم، فخطب، وأظهر أنهم قد بايعوا، وسكتوا ولم ينكروا ورحل على هذا. وادعى زيادا أنه أخوه فولاه الكوفة بعد المغيرة، فكتب إليه في حجر بن عدي وأصحابه، وحملهم إليه، فقتلهم بمرج عذراء. ثم ضم الكوفة والبصرة إلى زياد، فمات، فولاهما ابنه عبيد الله بن زياد. عن عبد المجيد بن سهيل، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، قال: استعملني عثمان على الحج، ثم قدمت وقد بويع لعلي، فقال لي: سر إلى الشام، فقد وليتكها. قلت: ما هذا برأي، معاوية أموي، وهو ابن عم عثمان وعامله على الشام، ولست آمن أن يضرب عنقي بعثمان، أو أدنى ما هو صانع أن يحبسني، قال علي: ولم؟ قلت: لقرابة ما بيني وبينك، وأن كل من حمل عليك حمل علي. ولكن اكتب إليه، فمنه وعده، فأبى علي، وقال: لا والله لا كان هذا أبدا.
مجالد: عن الشعبي، قال: أرسلت أم حبيبة إلى أهل عثمان: أرسلوا إلي بثياب عثمان التي قتل فيها، فبعثوا بقميصه بالدم وبالخصلة التي نتفت من لحيته، ودعت النعمان بن بشير، فبعثت به إلى معاوية، فصعد معاوية المنبر، ونشر القميص، وجمع الناس، ودعا إلى الطلب بدمه، فقام أهل الشام، وقالوا: هو ابن عمك وأنت وليه ونحن الطالبون معك بدمه.
ابن شوذب: عن مطر الوراق، عن زهدم الجرمي، قال: كنا في سمر ابن عباس، فقال: لما كان من أمر هذا الرجل ما كان، يعني عثمان، قلت لعلي: اعتزل الناس، فلو كنت في جحر لطلبت حتى تستخرج، فعصاني، وايم الله ليتأمرن عليكم معاوية، وذلك أن الله يقول: وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا.
يونس: عن ابن شهاب، قال: لمل بلغ معاوية هزيمة يوم الجمل وظهور علي، دعا أهل الشام للقتال معه على الشورى والطلب بدم عثمان، فبايعوه على ذلك أميرا غير خليفة.
وفي كتاب صفين ليحيى بن سليمان الجعفي بإسناد له: أن معاوية قال لجرير البجلي لما قدم عليه رسولا بعد محاورة طويلة: اكتب إلى علي أن يجعل لي الشام، وأنا أبايع له ما عاش، فكتب بذلك إلى علي، ففشا كتابه، فكتب إليه الوليد بن عقبة: معاوي إن الشام شامك فاعتصم
بشامك لا تدخل عليك الأفاعيا وحام عليها بالقنابل والقنا
ولا تك مخشوش الذراعين وانيا فإن عليا ناظر ما تجيبه
فأهد له حربا تشيب النواصيا
ثم قال الجعفي: حدثنا يعلى بن عبيد، عن أبيه، قال: جاء أبو مسلم الخولاني وأناس إلى معاوية، وقالوا: أنت تنازع عليا أم أنت مثله؟ فقال: لا والله، إني لأعلم أنه أفضل مني وأحق بالأمر مني، ولكن ألستم تعلمون أن عثمان قتل مظلوما، وأنا ابن عمه، والطالب بدمه، فائتوه، فقولوا له، فليدفع إلي قتلة عثمان، وأسلم له. فأتوا عليا، فكلموه، فلم يدفعهم إليه.
¥