والدارس لأصول التفسير يصوغ تأصيلاته وتقعيداته العلمية من هذه العلوم التي لها مساس بالتفسير؛ كعلم المكي والمدني الذي تفيد معرفته في توجيه بعض الأقوال، أوبيان ضعف بعضها وترجيح غيرها عليها.
ومن الأمثلة على ذلك:
قال ابن عطية (ت: 542) في قوله تعالى: (ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين) (فصلت: 33): ((ابتداء توصية لمحمد صلى الله عليه وسلم، وهو لفظ يعمُّ كلَّ من دعا قديمًا وحديثًا إلى الله تبارك وتعالى وإلى طاعته من الأنبياء عليهم السلام ومن المؤمنين.
والمعنى: لا أحد أحسن ممن هذه حاله، وإلى العموم ذهب الحسن، ومقاتل، وجماعة، وبَيِّنٌ أن حالة محمد صلى الله عليه وسلم كانت كذلك مبرِّزة.
وإلى تخصيصه في الآية ذهب السدي، وابن زيد، وابن سيرين، وقال قيس بن أبي حازم، وعائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، وعكرمة: نزلت هذه الآية في المؤذِّنين، قال قيس: (وعمل صالحا): هو الصلاة بين الأذان والاقامة، وذكر النقاش ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ومعنى القول بأنها في المؤذنين: أنهم داخلون فيها، وأما نزولها فمكية بلا خلاف، ولم يكن بمكة أذان، وإنما ترتَّب بالمدينة، وإنَّ الأذان لمن الدعاء إلى الله تعالى؛ لكنه جزء منه.
والدعاءُ إلى الله تعالى بقوة؛ كجهاد الكفار، وردع الطغاة، وكفِّ الظلمة، وغيره = أعظمُ عناءً من تولِّي الأذان؛ إذ لا مشقة فيه، والأصوب أن يعتقد أن الآية نزلت عامة) المحرر الوجيز، ط: قطر (13: 112 ـ 113)
وهذا يمكن أن يشكِّل قاعدة ترجيحية بين أقوال المفسرين، وهي العلم بتاريخ النُّزول، فالعلم بتاريخ النُّزول يدل على القول الصحيح في معنى الآية.
وقال ابن عطية (ت: 542) في قوله تعالى: (ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرًا وأحلوا قومهم دار البوار) (إبراهيم: 28): (وقال ابن عباس: هذه الآية في جبلة بن الأيهم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ولم يرد ابن عباس أنها فيه نزلت؛ لأن نزول الآية قبل قصته، وإنما أراد أنها تخصُّ من فعل فِعْلَ جَبَلة إلى يوم القيامة) المحرر الوجيز، ط: قطر (10: 241 ـ 242).
وهذا المثال يتعلق بعلمي أسباب النُّزول والمكي والمدني، وقد بين ابن عطية أن عبارة ابن عباس لا يراد بها أن جَبَلَة هو سبب نزول الآية المكية؛ لأن خبره في عهد عمر ?.
ومن هنا يقال: إن معرفة طريقة السلف في عباراتهم في التفسير والإفادة من هذه الطريقة من أصول التفسير.
والمقصود من هذا أنَّ أصول التفسير ليست هي علوم القرآن، وقد يشكل في ذلك تسمية بعض العلماء لكتبهم بمسمى أصول التفسير، وهي في جملتها في علوم القرآن، ككتاب الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله، وهذا من باب التسامح في الإطلاق في المصطلحات، وإلا فأغلب كتابه في علوم القرآن لا أصول التفسير.
ويمكن تقسيم أصول التفسير إلى أقسام ثلاثة:
الأول: المقدمات النظرية لهذا العلم، وتشمل جملة من المسائل كالتعريف والنشأة والكتب المدونة فيه، وطريقة التأليف فيه ... الخ مما يُكتب في المقدمات التي تناسب هذا العلم.
الثاني: طرق التفسير ومصادره.
الثالث: الاختلاف في التفسير، ويشمل:
دراسة عبارات السلف في التفسير.
أسباب الاختلاف.
أنواع الاختلاف.
كيفية التعامل مع الاختلاف (قواعد الترجيح).
وغيرها من المسائل العلمية المتعلقة بأصول التفسير، هذه أهم مسائله، وهناك غيرها مما لا تسعه هذه العجالة.
ـ[المنذر]ــــــــ[13 Nov 2003, 04:42 م]ـ
إلى المشرفين العزيزين عبدالرحمن الشهري وأحمد البريدي .. أشكركما كثيراً على ترحيبكما بانضمامي إلى الملتقى المبارك ...
وعلى ما أفدتموني فيما يخص استفساري عن أصول التفسير من علم ومراجع .. فجزاكما الله خيراً وزادكما من العلم والفقه.
وأما أستاذي الفاضل الدكتور مساعد الطيار .. فقد أعطيت الموضوع حقه .. وأوضحت لي ما غمض علي فهمه .. فجزاك الله خيراً وبارك في علمك ونفعنا به.