[شيخ المفسرين (2)]
ـ[الشجاع]ــــــــ[22 Jan 2004, 07:45 م]ـ
طريقة ابن جرير في تفسيره:
تتجلى طريقة ابن جرير في تفسيره بكل وضوح إذا نحن قرأنا فيه وقطعنا في القراءة شوطًا بعيدًا، فأول ما نشاهده، أنه إذا أراد أن يفسر الآية من القرآن يقول " القول في تأويل قوله تعالى كذا وكذا، ثم يفسر الآية ويستشهد على ما قاله بما يرويه بسنده إلى الصحابة أو التابعين من التفسير المأثور عنهم في هذه الآية، وإذا كان في الآية قولان أو أكثر، فإنه يعرض لكل ما قيل فيها، ويستشهد على كل قول بما يرويه في ذلك عن الصحابة أو التابعين.
ثم هو لا يقتصر على مجرد الرواية، بل نجده يتعرض لتوجيه الأقوال، ويرجح بعضها على بعض، كما نجده يتعرض لناحية الإعراب إن دعت الحال إلى ذلك، كما أنه يستنبط الأحكام التي يمكن أن تؤخذ من الآية من توجيه الأدلة وترجيح ما يختار.
إنكاره على من يفسر بمجرد الرأي:
ثم هو يخاصم بقوة أصحاب الرأي المستقلين في التفكير، ولا يزال يشدد في ضرورة الرجوع إلى العلم الراجع إلى الصحابة أو التابعين، والمنقول عنهم نقلاً صحيحًا مستفيضًا، ويرى أن ذلك وحده هو علامة التفسير الصحيح، فمثلاً عند ما تكلم عن قوله تعالى في الآية (49) من سورة يوسف (ثم يأتي من بعد ذلك عامٌ فيه يغاث الناسُ وفيه يعصِرون) نجده يذكر ما ورد في تفسيرها عن السلف مع توجيهه للأقوال وتعرضه للقراءات بقدر ما يحتاج إليه تفسير الآية، ثم يعرج بعد ذلك على من يفسر القرآن برأيه، وبدون اعتماد منه على شيء إلا على مجرد اللغة، فيفند قوله، ويبطل رأيه، فيقول ما نصه " .. وكان بعض من لا علم له بأقوال السلف من أهل التأويل، ممن يفسر القرآن برأيه على مذهب كلام العرب، يوجه معنى قوله (وفيه يعصرون) إلى وفيه ينجون من الجدب والقحط بالغيث، ويزعم أنه من العصر، والعصر التي بمعنى المنجاة، من قول أبي زبيد الطائي:
صاديا يستغيث غير مغاث ولقد كان عصرة المنجود
أي المقهور ـ ومن قول لبيد:
فبات وأسرى القوم آخر ليلهم وما كان وقافًا بغير معصر
وذلك تأويل يكفي من الشهادة على خطئه خلافه قول جميع أهل العلم من الصحابة والتابعين.
موقفه من الأسانيد:
ثم إن ابن جرير وإن التزم في تفسيره ذكر الروايات بأسانيدها، إلا أنه في الأعم الأغلب لا يتعقب الأسانيد بتصحيح ولا تضعيف، لأنه كان يرى ـ كما هو مقرر في أصول الحديث ـ أن من أسند لك فقد حملك البحث عن رجال السند ومعرفة مبلغهم من العدالة أو الجرح، فهو بعمله هذا قد خرج من العهدة ومع ذلك فابن جرير يقف من السند أحيانًا موقف الناقد البصير، فيعدل من يعدل من رجال الإسناد، ويجرح من يجرح منهم، ويرد الرواية التي لا يثق بصحتها، ويصرح برأيه فيها بما يناسبها، فمثلاً نجده عند تفسيره لقوله تعالى في الآية (94) من سورة الكهف: ( .. فهل نجعل لك خرجًا على أن تجعل بيننا وبينهم سدًا) يقول ما نصه: " روى عن عكرمة في ذلك ـ يعني في ضم سين سدًا وفتحها ـ ما حدثنا به أحمد بن يوسف، قال: حدثنا القاسم، قال: حدثنا حجاج، عن هرون، عن أيوب، عن عكرمة قال: ما كان من صنعة بني آدم فهو السَّد يعني بفتح السين، وما كان من صنع الله فهو السُّد،ثم يعقب على هذا السند فيقول: وأما ما ذكر عن عكرمة في ذلك، فإن الذي نقل ذلك عن أيوب هرون، وفي نقله نظر، ولا نعرف ذلك عن أيوب من رواية ثقاة أصحابه " أ. هـ.
تقديره للإجماع:
كذلك نجد ابن جرير في تفسيره يقدر إجماع الأمة، ويعطيه سلطانًا كبيرًا في اختيار ما يذهب إليه من التفسير، فمثلاً عند قوله تعالى في الآية (230) من سورة البقرة (فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجًا غيره) يقول ما نصه: " فإن قال قائل: فأي النكاحين عنى الله بقوله: فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجًا غيره؟ النكاح الذي هو جماع؟ أم النكاح الذي هو عقد تزويج؟ قيل كلاهما؛ وذلك أن المرأة إذا نكحت زوجًا نكاح تزويج ثم لم يطأها في ذلك النكاح ناكحها ولم يجامعها حتى يطلقها لم تحل للأول، وكذلك إن وطئها واطئ بغير نكاح لم تحل للأول؛ لإجماع الأمة جميعًا، فإذا كان ذلك كذلك " فمعلوم أن تأويل قوله: فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجًا غيره، نكاحًا صحيحًا، ثم يجامعها فيه: ثم يطلقها، فإن قال
¥