[مفهوم النسخ عند الطبري وأثره على تعليقاته على تفسير السلف، مع بيان مصطلحهم في ذلك]
ـ[مساعد الطيار]ــــــــ[28 Dec 2003, 07:19 ص]ـ
[مفهوم النسخ عند الطبري وأثره على تعليقاته على تفسير السلف، مع بيان مصطلحهم في ذلك]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه إلى يوم الدين، أما بعد:
فإن تفسير ابن جرير معين لا يكاد ينضب من الموضوعات القرآنية المتناثرة فيه، وهي بحاجة إلى تنقيب وكشف عن مكنوناتها.
ولقد حرصت على أن أطرح في هذا المقال مثالاً لذلك، غير أني قبل أن أبدأ به أذكر لك ـ أيها القارئ الكريم ـ ملحوظة لابدَّ منها عند من يريد النقل من ابن جرير، وهي حاجتك إلى النقل الطويل لكي تتضح المسألة كما طرحها هذا الإمام، وذلك مني اعتذار عما قد تجده من طول في النقل أثناء دراسة مسألة من المسائل التي طرحها الإمام رحمه الله تعالى.
وبعد هذه المقدمة أقول: لقد كان ابن جرير رحمه الله تعالى فقيهًا أصوليًّا، وقد كتب في أصول الأحكام أسماه (البيان عن أصول الأحكام)، وقد نصَّ عليه في كتاب التفسير في غير ما موضع، ومنها قوله: ((وقد دللنا في كتابنا كتاب البيان عن أصول الأحكام)).
وقد كان إذا مرَّ بموضوع له علاقة بأصول الأحكام ـ كالنسخ مثلاً ـ أشار إلى أنه قد توسع فيه في كتابه هذا، وأعرض عن التفصيل في كتاب التفسير.
وإليك هذه المواضع أمثلة على ذلك:
1 ـ قال: ((وغير جائز ادعاء خصوص في آية عام ظاهرها إلا بحجة يجب التسليم لها لما قد بينا في كتابنا كتاب البيان عن أصول الأحكام)) ط: الحلبي / 1: 508.
2 ـ وقال: ((وأولى الأقوال بالصواب في قوله: (وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون) أن يقال هو عام في كل ما قضاه الله وبرأه لأن ظاهر ذلك ظاهر عموم وغير جائز إحالة الظاهر إلى الباطن من التأويل بغير برهان لما قد بينا في كتابنا كتاب البيان عن أصول الأحكام)) ط: الحلبي / 1: 510.
3 ـ وقال: (( ... وإنما قلنا ذلك لأن الله تعالى ذكره قال: (ومتعوهن)، فأمر الرجال أن يمتعوهن وأمره فرض إلا أن يبين تعالى ذكره أنه عنى به الندب والإرشاد لما قد بينا في كتابنا المسمى بلطيف البيان عن أصول الأحكام لقوله (وللمطلقات متاع بالمعروف) ... )) ط: الحلبي / 2: 536.
ومن الموضوعات التي لم يمكنه إغفال جوانب منها في تفسيره موضوع النسخ؛ لكثرة وروده في تفسيرات السلف، فما المصطلح الذي سار عليه ابن جرير، وما أثر ذلك على تعليقاته على مصطلح السلف في النسخ.
أولاً: تعريف النسخ عند ابن جرير:
قال: ((يعني جل ثناؤه بقوله: (ما ننسخ من آية) إلى غيره فنبدله ونغيره.
وذلك أن يحول الحلال حراما والحرام حلالا والمباح محظورا والمحظور مباحا ولا يكون ذلك إلا في الأمر والنهي والحظر والإطلاق والمنع والإباحة، فأما الأخبار فلا يكون فيها ناسخ ولا منسوخ
وأصل النسخ من نسخ الكتاب وهو نقله من نسخة إلى أخرى غيرها فكذلك معنى نسخ الحكم إلى غيره إنما هو تحويله ونقل عبارته عنه إلى غيره
فإذا كان ذلك معنى نسخ الآية فسواء إذا نسخ حكمها فغير وبدل فرضها ونقل فرض العباد عن اللازم كان لهم بها أوفر حظها فترك أو محي أثرها فعفي ونسي إذ هي حينئذ في كلتا حالتيها منسوخة
والحكم الحادث المبدل به الحكم الأول والمنقول إليه فرض العباد هو الناسخ يقال منه نسخ الله آية كذا وكذا ينسخه نسخا والنسخة الاسم)). ط: الحلبي / 1: 475.
وقال: ((وإنما قلنا ذلك أولاهما بالصواب لأن القائلين أن حكم هذه الآية منسوخ زعموا أنه نسخ بقوله: (وأن احكم بينهم بما أنزل الله)، وقد دللنا في كتابنا كتاب البيان عن أصول الأحكام أن النسخ لا يكون نسخا إلا ما كان نفيا لحكم غيره بكل معانيه حتى لا يجوز اجتماع الحكم بالأمرين جميعا على صحته بوجه من الوجوه بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع)). ط: الحلبي / 6: 246
وقال: ((النسخ لا يكون في حكم إلا ينفيه بآخر له ناف من كل وجوهه)) ط: الحلبي 3: 149.
ثانيًا: لا بدَّ للنسخ من دلالة تدلُّ عليه.
قال: (( ... لأن دعوى المدعي نسخ آية يحتمل أن تكون غير منسوخة بغير دلالة على صحة دعواه تحكم والتحكم لا يعجز عنه أحد)) ط: الحلبي / 2: 190.
¥