تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[تأملات في أحوال الجوارح يوم القيامة ـ الجزء الأول (أحوال البصر)]

ـ[عمر المقبل]ــــــــ[02 Jan 2004, 11:20 م]ـ

من المواضع التي تلفت نظر المتأمل لكتاب الله العظيم، هو الأحوال التي تمر بها جوارح الإنسان، بدءً من نزع الروح إلى أن تصير إلى مصيرها، إما إلى جنة أو إلى نار ـ نعوذ بالله من ذلك ـ.

لقد أسفت ولن أزال كذلك، أسفت ثم أسفت على سنين كثيرة مضت في غير التأمل والتدبر لهذا الكتاب العظيم.

لقد تبين ـ من خلال البحث ـ أن القرآن الكريم أولى هذه الجوارح عناية عظيمة في ذلك اليوم المهول، والسر في ذلك ظاهر، فالأمر ـ كما قال سبحانه ـ (يوم ترونها ... تذهل كل مرضعة عما أرضعت، وتضع كل ذات حملٍ حملها، وترى الناس سكارى، وما هم بسكارى، ولكن عذاب الله شديد).

لا أريد أن أطيل في المقدمات، منبهاً في البداية إلى أمرين:

الأول: أن البحث لم يحرر بعد، بل الذي أطرحه هنا هو مختصر للبحث المطول (الأصل)، وحسبي أنني أطرحه بين يدي من أعتقد الاستفادة منهم،وهو عندي ضمن سلسلة سأخرجها في كتاب، إن يسر الله ـ بعنوان: (تأملات في أحوال الجوارح يوم القيامة) أسأل الله تعالى العون والتوفيق.

الثاني: أنني لم أتعرض للسنة في شيء، رغم أنها ذكر فيها أشياء مما يوافق شرط البحث.

==============================================

وقد بدأت بجارحة البصر،لأنها ـ بعد التأمل ـ هي أكثر الجوارح التي وصفت بأوصاف متنوعة ـ كما سيتبين بإذن الله تعالى ـ.

1 ـ أول أحوال البصر، هو ما دل عليه قوله تعالى: (وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ).

والشخوص، هو إحداد البصر، دون تحرك كما يقع للمبهوت.

قال تعالى: (وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأبْصَارُ).

2 ـ بعد هذا الشخوص للأبصار من هول ما رأت، تأتي الحال الثانية، وهي من أكثر الأحوال التي تكرر ذكرها في القرآن، وهي خشوع الأبصار، أي انكسارها، وغشيان الذل لها، فلا تستطيع أن تنظر في الناس من حولها، وهي نظرة الخائف المفتضح،وهذا معروف من أحوال الناس، فإن ذلة الذليل، وعزة العزيز تظهران من عيونهما، يقول سبحانه: (وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ).

ويقول سبحانه: (خُشَّعاً أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الأجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ)، (خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ).

ومعنى ترهقهم: تحل بهم، وتقترب منهم بحرص على التمكن منهم، وبسرعة.

ويقول تعالى: (يوم يخرجون من الأجداث سراعا، كأنهم إلى نصب يوفضون * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ)، ويقول سبحانه: (أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ).

3 ـ تصور كيف هي ألوان عيون هؤلاء الكفرة حينما يحشرون؟ (يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً) ـ وهذا على رأي بعض المفسرين أن المراد بالزرقة زرقة العيون لا الوجوه ـ، فإذا ضممت إلى هذا سواد وجوههم، فما ظنك بقبح أشكالهم؟ ولك أن تتصور شخصاً أسود الوجه مزرق العينين! الأمر فظيع.

4 ـ ورغم طول مدة الحشر (خمسين ألف سنة) إلا أنهم لا يرتد إليهم طرفهم أكثر مدة المحشر، كما قال تعالى: (مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُوسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء ٌ)، وإنما قلت: أكثر مدة المحشر وليس كلها، مع أن ظاهر الآية أن عدم ارتداد طرفهم مستغرق للوقت كله ـ إنما قلت هذا ـ لأن الآيات الأخرى دلت على أن للبصر أحوالاً أخرى من الشخوص والنظر من طرف خفي.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير